إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا [الشورى:52] و الرابع: أنه قد وردت البشارة به في كتبالأنبياء الذين كانوا قبله، فلما جاء قيل:هذا هو تلك الكلمة، فسمى كلمة بهذاالتأويل قالوا: و وجه المجاز فيه أن منأخبر عن حدوث أمر فإذا حدث ذلك الأمر قال:قد جاء قولي و جاء كلامي، أي ما كنت أقول وأتكلم به، و نظيره قوله تعالى: وَ كَذلِكَحَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَىالَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُالنَّارِ [غافر: 6] و قال: وَ لكِنْ حَقَّتْكَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ[الزمر: 71] الخامس: أن الإنسان قد يسمى بفضلاللّه و لطف اللّه، فكذا عيسى عليه السلامكان اسمه العلم: كلمة اللّه، و روح اللّه،و اعلم أن كلمة اللّه هي كلامه، و كلامهعلى قول أهل السنة صفة قديمة قائمة بذاته،و على قول المعتزلة أصوات يخلقها اللّهتعالى في جسم مخصوص دالة بالوضع على معانمخصوصة، و العلم الضروري حاصل بأن الصفةالقديمة أو الأصوات التي هي أعراض غيرباقية يستحيل أن يقال: أنها هي ذات عيسىعليه السلام، و لما كان ذلك باطلًا فيبداهة العقول لم يبق إلا التأويل.
ليحيى عليه السلام قوله وَ سَيِّداً والمفسرون ذكروا فيه وجوهاًالأول: قال ابنعباس:
السيد الحليم، و قال الجبائي: إنه كانسيداً للمؤمنين، رئيساً لهم في الدين،أعني في العلم و الحلم و العبادة و الورع،و قال مجاهد: الكريم على اللّه، و قال ابنالمسيب: الفقيه العالم، و قال عكرمة الذيلا يغلبه الغضب، قال القاضي: السيد هوالمتقدم المرجوع إليه، فلما كان سيداً فيالدين كان مرجوعاً إليه في الدين و قدوة فيالدين، فيدخل فيه جميع الصفات المذكورة منالعلم و الحلم و الكرم و العفة و الزهد والورع.
في تفسير الحصور و الحصر في اللغة الحبس،يقال حصره يحصره حصراً و حصر الرجل: أياعتقل بطنه، و الحصور الذي يكتم السر ويحبسه، و الحصور الضيق البخيل، و أماالمفسرون: فلهم قولانأحدهما: أنه كانعاجزا عن إتيان النساء، ثم منهم من قال كانذلك لصغر الآلة، و منهم من قال: كان ذلكلتعذر الإنزال، و منهم من قال: كان ذلكلعدم القدرة، فعلى هذا الحصور فعول بمعنىمفعول، كأنه قال محصور عنهن، أي محبوس، ومثله ركوب بمعنى مركوب و حلوب بمعنىمحلوب، و هذا القول عندنا فاسد لأن هذا منصفات النقصان و ذكر صفة النقصان في معرضالمدح لا يجوز، و لأن على هذا التقدير لايستحق به ثواباً و لا تعظيماً.
و القول الثاني: و هو اختيار المحققين أنهالذي لا يأتي النساء لا للعجز بل للعفة والزهد، و ذلك لأن الحصور هو الذي يكثر منهحصر النفس و منعها كالأكول الذي يكثر منهالأكل و كذا الشروب، و الظلوم، و الغشوم، والمنع إنما يحصل أن لو كان المقتضيقائماً، فلو لا أن القدرة و الداعية كانتاموجودتين، و إلا لما كان حاصراً لنفسهفضلًا عن أن يكون حصوراً، لأن الحاجة إلىتكثير الحصر و الدفع إنما تحصل عند قوةالرغبة و الداعية و القدرة، و على هذاالحصور بمعنى الحاصر فعول بمعنى فاعل.
احتج أصحابنا بهذه الآية على أن تركالنكاح أفضل و ذلك لأنه تعالى مدحه بتركالنكاح، و ذلك يدل على أن ترك النكاح أفضلفي تلك الشريعة، و إذا ثبت أن الترك في تلكالشريعة أفضل، وجب أن يكون الأمر كذلك فيهذه الشريعة بالنص و المعقول، أما النصفقوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَىاللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ[الأنعام: 90] و أما المعقول فهو أن الأصل فيالثابت بقاؤه على ما كان و النسخ على خلافالأصل.