لا يكون عندك كلهم أولى فثبت أن قوله وَ مامِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ مبالغة في أنهلا إله إلا اللّه الواحد الحق سبحانه وتعالى.
ثم قال: وَ إِنَّ اللَّهَ لَهُوَالْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
و فيه إشارة إلى الجواب عن شبهات النصارى،و ذلك لأن اعتمادهم على أمرينأحدهما: أنهقدر على إحياء الموتى و إبراء الأكمه والأبرص، فكأنه تعالى قال: هذا القدر منالقدرة لا يكفي في الإلهية، بل لا بد و أنيكون عزيزاً غالباً لا يدفع و لا يمنع، وأنتم قد اعترفتم بأن عيسى ما كان كذلك، وكيف و أنتم تقولون إن اليهود قتلوه؟ والثاني: أنهم قالوا: إنه كان يخبر عنالغيوب و غيرها، فيكون إلهاً، فكأنه تعالىقال: هذا القدر من العلم لا يكفي فيالإلهية، بل لا بد و أن يكون حكيماً، أيعالماً بجميع المعلومات و بجميع عواقبالأمور، فذكر الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ههناإشارة إلى الجواب عن هاتين الشبهتين ونظير هذه الآية ما ذكره تعالى في أولالسورة من قوله هُوَ الَّذِييُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَيَشاءُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُالْحَكِيمُ [آل عمران: 6].
ثم قال: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّاللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ
و المعنى: فإن تولوا عما وصفت من أن اللّههو الواحد، و أنه يجب أن يكون عزيزاًغالباً قادراً على جميع المقدورات،حكيماً عالماً بالعواقب و النهايات مع أنعيسى عليه السلام ما كان عزيزاً غالباً، وما كان حكيماً عالماً بالعواقب والنهايات. فاعلم أن توليهم و إعراضهم ليسإلا على سبيل العناد فاقطع كلامك عنهم وفوض أمرهم إلى اللّه، فإن اللّه عليمبفساد المفسدين، مطلع على ما في قلوبهم منالأغراض الفاسدة، قادر على مجازاتهم.
قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْاإِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّاللَّهَ وَ لا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباًمِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْافَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّامُسْلِمُونَ (64)
و اعلم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لماأورد على نصارى نجران أنواع الدلائل وانقطعوا، ثم دعاهم إلى المباهلة فخافوا وما شرعوا فيها و قبلوا الصغار بأداءالجزية، و قد كان عليه السلام حريصاً علىإيمانهم، فكأنه تعالى قال: يا محمد اتركذلك المنهج من الكلام و اعدل إلى منهج آخريشهد كل عقل سليم و طبع مستقيم أنه كلاممبني على الإنصاف و ترك الجدال، و قُلْ ياأَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلىكَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْأي هلموا إلى كلمة فيها إنصاف من بعضنالبعض، و لا ميل فيه لأحد على صاحبه، و هيأَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَ لانُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً هذا هو المراد منالكلام و لنذكر الآن تفسير الألفاظ.
أما قوله تعالى: يا أَهْلَ الْكِتابِ
ففيه ثلاثة أقوالأحدها: المراد نصارىنجرانو الثاني: المراد يهود المدينة والثالث: أنها نزلت في الفريقين، و يدل عليهوجهانالأول: أن ظاهر اللفظ يتناولهماوالثاني: روي في سبب النزول، أن اليهودقالوا للنبي عليه الصلاة و السلام، ماتريد إلا أن نتخذك رباً كما اتخذت النصارىعيسى! و قالت النصارى: يا محمد ما تريد إلاأن نقول فيك ما قالت اليهود في عزيز! فأنزلاللّه تعالى هذه الآية، و عندي أن الأقربحمله على النصارى، لما بينا أنه لما أوردالدلائل عليهم أولًا، ثم باهلهم ثانياً،فعدل في هذا المقام إلى الكلام المبني علىرعاية الإنصاف، و ترك المجادلة، و طلبالإفحام و الإلزام، و مما يدل عليه، أنهخاطبهم ههنا بقوله تعالى: يا أَهْلَالْكِتابِ و هذا الاسم من أحسن الأسماء وأكمل الألقاب حيث جعلهم أهلًا لكتاباللّه، و نظيره،