مفاتیح الشرائع

محمد محسن بن الشاه مرتضی ابن الشاه محمود ‏

جلد 8 -صفحه : 175/ 69
نمايش فراداده

ما يقال لحافظ القرآن يا حامل كتاب اللّه،و للمفسر يا مفسر كلام اللّه، فإن هذااللقب يدل على أن قاتله أراد المبالغة فيتعظيم المخاطب و في تطييب قلبه، و ذلك إنمايقال عند عدول الإنسان مع خصمه عن طريقةاللجاج و النزاع إلى طريقة طلب الإنصاف.

أما قوله تعالى: تَعالَوْا

فالمراد تعيين ما دعوا إليه و التوجه إلىالنظر فيه و إن لم يكن انتقالًا من مكانإلى مكان لأن أصل اللفظ مأخوذ من التعالي وهو الارتفاع من موضع هابط إلى مكان عال، ثمكثر استعماله حتى صار دالًا على طلبالتوجه إلى حيث يدعى إليه.

أما قوله تعالى: إِلى‏ كَلِمَةٍ سَواءٍبَيْنَنا

فالمعنى هلموا إلى كلمة فيها إنصاف منبعضنا لبعض، لا ميل فيه لأحد على صاحبه، والسواء هو العدل و الإنصاف، و ذلك لأنحقيقة الإنصاف، إعطاء النصف، فإن الواجبفي العقول ترك الظلم على النفس و علىالغير، و ذلك لا يحصل إلا بإعطاء النصف،فإذا أنصف و ترك ظلمه أعطاه النصف فقد سوىبين نفسه و بين غيره و حصل الاعتدال، و إذاظلم و أخذ أكثر مما أعطى زال الاعتدال فلماكان من لوازم العدل و الإنصاف التسوية جعللفظ التسوية عبارة عن العدل.

ثم قال الزجاج سَواءٍ نعت للكملة يريد:ذات سواء، فعلى هذا قوله كَلِمَةٍ سَواءٍأي كلمة عادلة مستقيمة مستوية، فإذا آمنابها نحن و أنتم كنا على السواء والاستقامة،

ثم قال: أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وفيه مسألتان:

المسألة الأولى:

محل (أن) في قوله أَلَّا نَعْبُدَ، فيهوجهان‏الأول: إنه رفع بإضمار، هي: كأنقائلًا قال:

ما تلك الكلمة؟ فقيل هي أن لا نعبد إلااللّه‏و الثاني: خفض على البدل من: كلمة.

المسألة الثانية:

إنه تعالى ذكر ثلاثة أشياءأولها: أَلَّانَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ و ثانيها: أن لانُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً و ثالثها: أن لايَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباًمِنْ دُونِ اللَّهِ و إنما ذكر هذهالثلاثة لأن النصارى جمعوا بين هذهالثلاثة فيعبدون غير اللّه و هو المسيح، ويشركون به غيره و ذلك لأنهم يقولون إنهثلاثة: أب و ابن و روح القدس، فأثبتوا ذواتثلاثة قديمة سواء، و إنما قلنا: إنهمأثبتوا ذوات ثلاثة قديمة، لأنهم قالوا: إنأقنوم الكلمة تدرعت بناسوت المسيح، وأقنوم روح القدس تدرعت بناسوت مريم، و لولا كون هذين الأقنومين ذاتين مستقلتين وإلا لما جازت عليهما مفارقة ذات الأب والتدرع بناسوت عيسى و مريم، و لما أثبتواذوات ثلاثة مستقلة فقد أشركوا، و أما إنهماتخذوا أحبارهم و رهبانهم أرباباً من دوناللّه فيدل عليه وجوه: أحدها: إنهم كانوايطيعونهم في التحليل و التحريم‏و الثاني:إنهم كانوا يسجدون لأحبارهم‏و الثالث:قال أبو مسلم: من مذهبهم أن من صار كاملًافي الرياضة و المجاهدة يظهر فيه أثر حلولاللاهوت، فيقدر على إحياء الموتى و إبراءالأكمه و الأبرص، فهم و إن لم يطلقوا عليهلفظ الرب إلا أنهم أثبتوا في حقه معنىالربوبيةو الرابع:

هو أنهم كانوا يطيعون أحبارهم فيالمعاصي، و لا معنى للربوبية إلا ذلك، ونظيره قوله تعالى: أَ فَرَأَيْتَ مَنِاتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ [الجاثية: 23] فثبتأن النصارى جمعوا بين هذه الأمور الثلاثة،و كان القول ببطلان هذه الأمور الثلاثةكالأمر المتفق عليه بين جمهور العقلاء وذلك، لأن قبل المسيح ما كان المعبود إلااللّه، فوجب أن يبقى الأمر بعد ظهورالمسيح على هذا الوجه، و أيضاً القولبالشركة باطل باتفاق الكل، و أيضاً إذاكان الخالق و المنعم بجميع النعم هواللّه، وجب أن لا يرجع في التحليل والتحريم و الانقياد و الطاعة إلا إليه،دون الأحبار و الرهبان، فهذا هو شرح هذهالأمور الثلاثة.