قوام العالم و نظامه بذلكو الثاني: أنالمراد هو أنه تعالى يأتي بالليل عقيبالنهار، فيلبس الدنيا ظلمة بعد أن كانفيها ضوء النهار، ثم يأتي بالنهار عقيبالليل فيلبس الدنيا ضوءه فكان المراد منإيلاج أحدهما في الآخر إيجاد كل واحدمنهما عقيب الآخر، و الأول أقرب إلىاللفظ، لأنه إذا كان النهار طويلًا فجعلما نقص منه زيادة في الليل كان ما نقص منهداخلًا في الليل.
و أما قوله وَ تُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَالْمَيِّتِ وَ تُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَالْحَيِّ ففيه مسائل:
قرأ نافع و حمزة و الكسائي الْمَيِّتِبالتشديد، و الباقون بالتخفيف، و همالغتان بمعنى واحد، قال المبرد: أجمعالبصريون على أنهما سواء و أنشدوا:
إنما الميت ميت الأحياء
و هو مثل قوله: هين و هين، و لين و لين، و قدذهب ذاهبون إلى أن الميت من قد مات، والميت من لم يمت.
ذكر المفسرون فيه وجوهاًأحدها: يخرجالمؤمن من الكافر كإبراهيم من آزر، والكافر من المؤمن مثل كنعان من نوح عليهالسلامو الثاني: يخرج الطيب من الخبيث وبالعكسو الثالث: يخرج الحيوان منالنطفة، و الطير من البيضة و بالعكسوالرابع: يخرج السنبلة من الحبة و بالعكس، والنخلة من النواة و بالعكس، قال القفالرحمه اللّه: و الكلمة محتملة للكل أماالكفر و الإيمان فقال تعالى: أَ وَ مَنْكانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ [الأنعام: 122]يريد كان كافراً فهديناه فجعل الموت كفراًو الحياة إيمانا، و سمى إخراج النبات منالأرض إحياء، و جعل قبل ذلك ميتة فقاليُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها [الروم:19] و قال: فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍمَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَبَعْدَ مَوْتِها [فاطر: 9] و قال: كَيْفَتَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَ كُنْتُمْأَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّيُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ [البقرة:28].
ففيه وجوهالأول: أنه يعطي من يشاء مايشاء لا يحاسبه على ذلك أحد، إذ ليس فوقهملك يحاسبه بل هو الملك يعطي من يشاء بغيرحسابو الثاني: ترزق من تشاء غير مقدور ولا محدود، بل تبسطه له و توسعه عليه كمايقال: فلان ينفق بغير حساب إذا وصف عطاؤهبالكثرة، و نظيره قولهم في تكثير مالالإنسان: عنده مال لا يحصىو الثالث: ترزقمن تشاء بغير حساب، يعني على سبيل التفضلمن غير استحقاق لأن من أعطى على قدرالاستحقاق فقد أعطى بحساب، و قال بعض منذهب إلى هذا المعنى: إنك لا ترزق عبادك علىمقادير أعمالهم و اللّه أعلم.
لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَالْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِالْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَفَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍإِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةًوَ يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28)
في كيفية النظم وجهانالأول: أنه تعالىلما ذكر ما يجب أن يكون المؤمن عليه فيتعظيم اللّه تعالى، ثم ذكر بعده ما يجب أنيكون المؤمن عليه في المعاملة مع الناس،لأن كمال الأمر ليس إلا في شيئين: التعظيملأمر اللّه تعالى، و الشفقة على خلق اللّهقال: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَالْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِالْمُؤْمِنِينَ الثاني: لما بيّن أنهتعالى مالك الدنيا و الآخرة بين أنه ينبغيأن تكون الرغبة فيما عنده، و عند أوليائهدون أعدائه.