مفاتیح الشرائع جلد 8
لطفا منتظر باشید ...
الفاعل إما أن يكون هو العبد أو اللّهتعالى و الأول باطل، لأن أحداً لا يختارالكفر لنفسه، بل إنما يريد الإيمان والمعرفة و الهداية فلما أراد العبدالإيمان و لم يحصل له بل حصل له الجهل،علمنا أن حصوله من اللّه تعالى لا منالعبدالثاني: و هو أن الجهل الذي يحصلللعبد إما أن يكون بواسطة شبهة و إما أنيقال: يفعله العبد ابتداء، و الأول باطل إذلو كان كل جهل إنما يحصل بجهل آخر يسبقه ويتقدمه لزم التسلسل و هو محال، فبقي أنيقال: تلك الجهات تنتهي إلى جهل يفعلهالعبد ابتداء من غير سبق موجب ألبتة لكنانجد من أنفسنا أن العاقل لا يرضى لنفسه أنيصير على الجهل ابتداء من غير موجب فعلمناأن ذلك بإذلال اللّه عبده و بخذلانهإياهالثالث: ما بينا أن الفعل لا بد فيهمن الداعي و المرجح، و ذلك المرجح يكون مناللّه تعالى فإن كان في طرف الخير كانإعزازاً، و إن كان في طرف الجهل و الشر والضلالة كان إذلالا، فثبت أن المعز والمذل هو اللّه تعالى.أما قوله تعالى: بِيَدِكَ الْخَيْرُ.فاعلم أن المراد من اليد هو القدرة، والمعنى بقدرتك الخير و الألف و اللام فيالخير يوجبان العموم، فالمعنى بقدرتكتحصل كل البركات و الخيرات، و أيضا فقولهبِيَدِكَ الْخَيْرُ يفيد الحصر كأنه قالبيدك الخير لا بيد غيرك، كما أن قولهتعالى: لَكُمْ دِينُكُمْ وَ لِيَ دِينِ[الكافرين: 6] أي لكم دينكم أي لا لغيركم وذلك الحصر ينافي حصول الخير بيد غيره،فثبت دلالة هذه الآية من هذين الوجهين علىأن جميع الخيرات منه، و بتكوينه و تخليقه وإيجاده و إبداعه، إذا عرفت هذا فنقول: أفضلالخيرات هو الإيمان باللّه تعالى ومعرفته، فوجب أن يكون الخير من تخليقاللّه تعالى لا من تخليق العبد، و هذااستدلال ظاهر و من الأصحاب من زاد في هذاالتقدير فقال: كل فاعلين فعل أحدهما أشرف وأفضل من فعل الآخر كان ذلك الفاعل أشرف وأكمل من الآخر، و لا شك أن الإيمان أفضل منالخير، و من كل ما سوى الإيمان فلو كانالإيمان بخلق العبد لا بخلق اللّه لوجبكون العبد زائدا في الخيرية على اللّهتعالى، و في الفضيلة و الكمال، و ذلك كفرقبيح فدلت هذه الآية من هذين الوجهين علىأن الإيمان بخلق اللّه تعالى.فإن قيل: فهذه الآية حجة عليكم من وجه آخرلأنه تعالى لما قال: بِيَدِكَ الْخَيْرُكان معناه أنه ليس بيدك إلا الخير، و هذايقتضي أن لا يكون الكفر و المعصية واقعينبتخليق اللّه.و الجواب: أن قوله بِيَدِكَ الْخَيْرُيفيد أن بيده الخير لا بيد غيره، و هذاينافي أن يكون بيد غيره و لكن لا ينافي أنيكون بيده الخير و بيده ما سوى الخير إلاأنه خص الخير بالذكر لأنه الأمر المنتفعبه فوقع التنصيص عليه لهذا المعنى قالالقاضي: كل خير حصل من جهة العباد فلو لاأنه تعالى أقدرهم عليه و هداهم إليه لماتمكنوا منه، فلهذا السبب كان مضافاً إلىاللّه تعالى إلا أن هذا ضعيف لأن على هذاالتقدير يصير بعض الخير مضافاً إلى اللّهتعالى، و يصير أشرف الخيرات مضافاً إلىالعبد، و ذلك على خلاف هذا النص.أما قوله إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍقَدِيرٌفهذا كالتأكيد لما تقدم من كونه مالكاًلإيتاء الملك و نزعه و الإعزاز و الإذلال.أما قوله تعالى: تُولِجُ اللَّيْلَ فِيالنَّهارِ وَ تُولِجُ النَّهارَ فِياللَّيْلِفيه وجهانالأول: أن يجعل الليل قصيراً ويجعل ذلك القدر الزائد داخلًا في النهار وتارة على العكس من ذلك و إنما فعل سبحانه وتعالى ذلك لأنه علق