قوله أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَوَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ إشارة إلىثلاثة أشياء ذكرها على ترتب في غايةالحسن، و ذلك لأن الكتاب السماوي ينزلأولًا ثم إنه يحصل في عقل النبي فهم ذلكالكتاب و إليه الإشارة بالحكم، فإن أهلاللغة و التفسير اتفقوا على أن هذا الحكمهو العلم، قال تعالى: وَ آتَيْناهُالْحُكْمَ صَبِيًّا [مريم: 12] يعني العلم والفهم، ثم إذا حصل فهم الكتاب، فحينئذيبلغ ذلك إلى الخلق و هو النبوّة فما أحسنهذا الترتيب.
ثم قال تعالى: ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِكُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وفيه مسألتان:
القراءة الظاهرة، ثم يقول بنصب اللام، وروي عن أبي عمرو برفعها، أما النصب فعلىتقدير: لا تجتمع النبوّة و هذا القول، والعامل فيه (أن) و هو معطوف عليه بمعنى ثمأن يقول و أما الرفع فعلى الاستئناف.
حكى الواحدي عن ابن عباس رضي اللّه عنهماأنه قال في قوله تعالى: كُونُوا عِباداًلِي إنه لغة مزينة يقولون للعبيد عباداً.
ثم قال: وَ لكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَو فيه مسألتان:
في هذه الآية إضمار، و التقدير: و لكن يقوللهم كونوا ربانيين فأضمر القول على حسبمذهب العرب في جواز الاضمار إذا كان فيالكلام ما يدل عليه، و نظيره قوله تعالى:فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْوُجُوهُهُمْ أَ كَفَرْتُمْ بَعْدَإِيمانِكُمْ [آل عمران: 106] أي فيقال لهمذلك.
ذكروا في تفسير (الرباني) أقولًاالأول:قال سيبويه: الرباني المنسوب إلى الرب،بمعنى كونه عالماً به، و مواظباً علىطاعته، كما يقال: رجل إلهي إذا كان مقبلًاعلى معرفة الإله و طاعته و زيادة الألف والنون فيه للدلالة على كمال هذه الصفة،كما قالوا: شعراني و لحياني و رقباني إذاوصف بكثرة الشعر و طول اللحية و غلظالرقبة، فإذا نسبوا إلى الشعر قالوا: شعريو إلى الرقبة رقبي و إلى اللحية لحييوالثاني: قال المبرّد (الربانيون) أربابالعلم واحدهم رباني، و هو الذي يرب العلم ويرب الناس أي: يعلمهم و يصلحهم و يقومبأمرهم، فالألف و النون للمبالغة كماقالوا: ربان و عطشان و شبعان و عريان، ثمضمت إليه ياء النسبة كما قيل: لحياني ورقباني قال الواحدي: فعلى قول سيبويهالرباني: منسوب إلى الرب على معنى التخصيصبمعرفة الرب و بطاعته، و على قول المبرد(الرباني) مأخوذ من التربيةالثالث: قال ابنزيد: الرباني. هو الذي يرب الناس،فالربانيون هم ولاة الأمة و العلماء، وذكر هذا أيضاً في قوله تعالى: لَوْ لايَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ [المائدة: 63] أي الولاة والعلماء و هما الفريقان اللذان يطاعان ومعنى الآية على هذا التقدير: لا أدعوكم إلىأن تكونوا عباداً لي، و لكن أدعوكم إلى أنتكونوا ملوكاً و علماء باستعمالكم أمراللّه تعالى و مواظبتكم على طاعته، قالالقفال رحمه اللّه: و يحتمل أن يكون الواليسمي ربانياً، لأنه يطاع كالرب تعالى، فنسبإليهالرابع: قال أبو عبيدة أحسب أن هذهالكلمة ليست بعربية إنما هي عبرانية، أوسريانية، و سواء كانت عربية أو عبرانية،فهي تدل على الإنسان الذي علم و عمل بماعلم، و اشتغل بتعليم طرق الخير.
ثم قال تعالى: بِما كُنْتُمْتُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَ بِما كُنْتُمْتَدْرُسُونَ و فيه مسائل: