و النبيّين أرباباً، كما تقول: ما كانلزيد أن أكرمه ثم يهينني و يستخف بيوالثاني: أن تجعل (لا) غير مزيدة، و المعنىأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان ينهىقريشاً عن عبادة الملائكة، و اليهود والنصارى عن عبادة عزير و المسيح، فلماقالوا: أتريد أن نتخذك ربا؟ قيل لهم: ما كانلبشر أن يجعله اللّه نبياً ثم يأمر الناسبعبادة نفسه و ينهاهم عن عبادة الملائكة والأنبياء، و أما القراءة بالرفع على سبيلالاستئناف فظاهر لأنه بعد انقضاء الآية وتمام الكلام، و مما يدل على الانقطاع عنالأولى ما روي عن ابن مسعود أنه قرأ و لنيأمركم.
قال الزجاج: و لا يأمركم اللّه، و قال ابنجريج: لا يأمركم محمد، و قيل: لا يأمركمالأنبياء بأن تتخذوا الملائكة أرباباًكما فعلته قريش.
إنما خص الملائكة و النبيّين بالذكر لأنالذين وصفوا من أهل الكتاب بعبادة غيراللّه لم يحك عنهم إلا عبادة الملائكة وعبادة المسيح و عزير، فلهذا المعنى خصهمابالذكر.
ثم قال تعالى: أَ يَأْمُرُكُمْبِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْمُسْلِمُونَ و فيه و مسائل:
الهمزة في أَ يَأْمُرُكُمْ استفهام بمعنىالإنكار، أي لا يفعل ذلك.
قال صاحب «الكشاف» قوله بَعْدَ إِذْأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ دليل على أنالمخاطبين كانوا مسلمين و هم الذيناستأذنوا الرسول صلّى الله عليه وسلّم فيأن يسجدوا له.
قال الجبائي: الآية دالة على فساد قول منيقول: الكفر باللّه هو الجهل به و الإيمانباللّه هو المعرفة به، و ذلك لأن اللّهتعالى حكم بكفر هؤلاء، و هو قوله تعالى: أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ ثم إن هؤلاءكانوا عارفين باللّه تعالى بدليل قولهثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداًلِي مِنْ دُونِ اللَّهِ و ظاهر هذا يدل علىمعرفتهم باللّه فلما حصل الكفر ههنا معالمعرفة باللّه دل ذلك على أن الإيمان بهليس هو المعرفة و الكفر به تعالى ليس هوالجهل به.
و الجواب: أن قولنا الكفر باللّه هو الجهلبه لا نعني به مجرد الجهل بكونه موجوداً بلنعني به الجهل بذاته و بصفاته السلبية وصفاته الإضافية أنه لا شريك له فيالمعبودية، فلما جهل هذا فقد جهل بعضصفاته.
وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَالنَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْكِتابٍ وَ حِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْرَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْلَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُقالَ أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْعَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُواأَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَ أَنَامَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) فَمَنْتَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُالْفاسِقُونَ (82)
اعلم أن المقصود من هذه الآيات تعديدتقرير الأشياء المعروفة عند أهل الكتابمما يدل على نبوّة محمد صلّى الله عليهوسلّم قطعاً لعذرهم و إظهاراً لعنادهم ومن جملتها ما ذكره اللّه تعالى في هذهالآية و هو أنه تعالى أخذ الميثاق منالأنبياء الذين آتاهم الكتاب و الحكمةبأنهم كلما جاءهم رسول مصدق لما معهمآمنوا به ونصروه، و أخبر أنهم قبلوا ذلك وحكم تعالى بأن من رجع عن ذلك كان منالفاسقين، فهذا هو المقصود من الآية فحصلالكلام أنه تعالى أوجب على جميع الأنبياءالإيمان بكل رسول جاء مصدقاً لما معهم إلاأن هذه المقدمة الواحدة لا تكفي في إثباتنبوّة