الشاهد هو الذي يبين صدق الدعوىالخامس:فَاشْهَدُوا أي فاستيقنوا ما قررته عليكممن هذا الميثاق، و كونوا فيه كالمشاهدللشيء المعاين لهالسادس: إذا قلنا إنأخذ الميثاق كان من الأمم فقولهفَاشْهَدُوا خطاب للأنبياء عليهم السلامبأن يكونوا شاهدين عليهم.
و أما قوله تعالى: وَ أَنَا مَعَكُمْ مِنَالشَّاهِدِينَ فهو للتأكيد و تقويةالإلزام، و فيه فائدة أخرى و هي أنه تعالىو إن أشهد غيره، فليس محتاجاً إلى ذلكالإشهاد، لأنه تعالى لا يخفي عليه خافيةلكن لضرب من المصلحة لأنه سبحانه و تعالىيعلم السر و أخفى، ثم إنه تعالى ضم إليهتأكيداً آخر فقال: فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ يعنيمن أعرض عن الإيمان بهذا الرسول و بنصرتهبعد ما تقدم من هذه الدلائل كان منالفاسقين و وعيد الفاسق معلوم، و قولهفَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ هذا شرط، والفعل الماضي ينقلب مستقبلًا في الشرط والجزاء، و اللّه أعلم.
أَ فَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83)
اعلم أنه تعالى لما بيّن في الآية الأولىأن الإيمان بمحمد عليه الصلاة و السلامشرع شرعه اللّه و أوجبه على جميع من مضى منالأنبياء والأمم، لزم أن كل من كره ذلكفإنه يكون طالباً ديناً غير دين اللّه،فلهذا قال بعده
أَ فَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وفي الآية مسائل:
قرأ حفص عن عاصم يَبْغُونَ و يُرْجَعُونَبالياء المنقطة من تحتها، لوجهينأحدهما:
رداً لهذا إلى قوله وَ أُولئِكَ هُمُالْفاسِقُونَ [آل عمران: 82] و الثاني: أنهتعالى إنما ذكر حكاية أخذ الميثاق حتىيبين أن اليهود و النصارى يلزمهم الإيمانبمحمد صلّى الله عليه وسلّم، فلما أصرواعلى كفرهم قال على جهة الاستنكار أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ و قرأأبو عمرو تبغون بالتاء خطابا لليهود وغيرهم من الكافر و يُرْجَعُونَ بالياءليرجع إلى جميع المكلفين المذكورين فيقوله وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِيالسَّماواتِ وَ الْأَرْضِ و قرأ الباقونفيهما بالتاء على الخطاب، لأن ما قبلهخطاب كقوله أَ أَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ [آل عمران: 81] و أيضاً فلا يبعدأن يقال للمسلم و الكفار و لكل أحد: أ فغيردين اللّه تبغون مع علمكم بأنه أسلم له منفي السموات و الأرض، و أن مرجعكم إليه و هوكقوله وَ كَيْفَ تَكْفُرُونَ وَ أَنْتُمْتُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران: 101].
الهمزة للاستفهام و المراد استنكار أنيفعلوا ذلك أو تقرير أنهم يفعلونه، و موضعالهمزة هو لفظة يَبْغُونَ تقديره: أيبغونغير دين اللّه؟ لأن الاستفهام إنما يكونعن الأفعال و الحوادث، إلا أنه تعالى قدمالمفعول الذي هو فَغَيْرَ دِينِ اللَّهِعلى فعله، لأنه أهم من حيث أن الإنكار الذيهو معنى الهمزة متوجه إلى المعبود الباطلو أما الفاء فلعطف جملة على جملة و فيهوجهانأحدهما: التقدير: فأولئك همالفاسقون، فغير دين اللّه يبغون.
و اعلم أنه لو قيل أو غير دين اللّه يبغونجاز إلا أن في الفاء فائدة زائدة كأنه قيل:أفبعد أخذ هذا الميثاق المؤكد بهذهالتأكيدات البليغة تبغون؟.
روي أن فريقين من أهل الكتاب اختصموا إلىالرسول صلّى الله عليه وسلّم فيما اختلفوافيه من دين إبراهيم