ذكرها على لفظ الدنيا تنبيها على كمالدناءتها، فهذه وجوه في الفرق بين هذهالألفاظ، و العالم بحقائق القرآن هو اللّهتعالى.
و هو بيان حكمةالتكرير فهو أن أشد الأشياء جذبا للقلوب وجلبا للخواطر، إلى الاشتغال بالدنيا، هوالاشتغال بالأموال و الأولاد، و ما كانكذلك يجب التحذير عنه مرة بعد أخرى، إلاأنه لما كان أشد الأشياء في المطلوبية والمرغوبية للرجل المؤمن هو مغفرة اللّهتعالى، لاجرم أعاد اللّه قوله: إِنَّاللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِوَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُفي سورة النساء مرتين، و بالجملة فالتكريريكون لأجل التأكيد فههنا للمبالغة فيالتحذير، و في آية المغفرة للمبالغة فيالتفريح، و قيل أيضا إنما كرر هذا المعنىلأنه أراد بالآية الأولى قوما منالمنافقين لهم أموال و أولاد في وقتنزولها، و أراد بهذه الآية أقواما آخرين،و الكلام الواحد إذا احتيج إلى ذكره معأقوام كثيرين في أوقات مختلفة، لم يكنذكره مع بعضهم مغنيا عن ذكره مع الآخرين.
وَ إِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوابِاللَّهِ وَ جاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِاسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِمِنْهُمْ وَ قالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَالْقاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوامَعَ الْخَوالِفِ وَ طُبِعَ عَلىقُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (87)
و اعلم أنه تعالى بين في الآيات المتقدمةأن المنافقين احتالوا في رخصة التخلف عنرسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم و القعودعن الغزو، و في هذه الآية زاد دقيقة أخرى،و هي أنه متى نزلت آية مشتملة على الأمربالإيمان و على الأمر بالجهاد مع الرسول،استأذن أولو الثروة و القدرة منهم فيالتخلف عن الغزو، و قالوا لرسول اللّهذرنا نكن مع القاعدين أي مع الضعفاء منالناس و الساكنين في البلد.
أما قوله: وَ إِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌأَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَ جاهِدُوا مَعَرَسُولِهِ ففيه أبحاث:
يجوز أن يراد بالسورة تمامهاو أن يراد بعضها،
كما يقع القرآن و الكتاب على كله و بعضه، وقيل المراد بالسورة هي سورة براءة، لأنفيها الأمر بالإيمان و الجهاد.
قوله أَنْ آمِنُوابِاللَّهِ
قال الواحدي: مزضع (أن) نصب بحذف حرف الجر.و التقدير بأن آمنوا أي الإيمان؟
لقائل أن يقول كيف يأمرالمؤمنين بالإيمان،
فإن ذلك يتقضي الأمر بتحصيل الحاصل و هومحال.
أجابوا عنه: بأن معنى أمر المؤمنينبالإيمان الدوام عليه و التمسك به فيالمستقبل، و أقول لا حاجة إلى هذا الجواب،فإن الأمر متوجه عليهم، و إنما قدم الأمربالإيمان على الأمر بالجهاد لأن التقديركأنه قيل للمنافقين الإقدام على الجهادقبل الإيمان لا يفيد فائدة أصلا، فالواجبعليكم أن تؤمنوا أولا، ثم تشتغلوا بالجهادثانيا حتى يفيدكم اشتغالكم بالجهاد فائدةفي الدين، ثم حكى تعالى أن عند نزول هذهالسورة ماذا يقولون، فقال: اسْتَأْذَنَكَأُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَ قالُواذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ و فيأُولُوا الطَّوْلِ قولان:
الأول: قال ابن عباس و الحسن: المراد أهلالسعة في المال: الثاني: قال الأصم: يعنيالرؤساء و الكبراء