قوله: ذلِكَ بِأَنَّهُمْكَفَرُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ تصريحبكون ذلك النهي معللا بهذه العلة، و ذلكيقتضي تعليل حكم اللّه تعالى و هو محال،لأن حكم اللّه قديم، و هذه العلة محدثة، وتعليل القديم بالمحدث محال.و الجواب: الكلام في أن تعليل حكم اللّهتعالى بالمصالح هل يجوز أم لا؟ بحث طويل، ولا شك أن هذا الظاهر يدل عليه.
[سورة التوبة (9): آية 85]
وَ لا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُأَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْياوَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَ هُمْكافِرُونَ (85)اعلم أن هذه الآية قد سبق ذكرها بعينها فيهذه السورة و ذكرت ههنا، و قد حصل التفاوتبينهما في ألفاظ: فأولها: في الآيةالمتقدمة قال: فَلا تُعْجِبْكَ بالفاء.وههنا قال: وَ لا تُعْجِبْكَ بالواووثانيها: أنه قال هناك أَمْوالُهُمْ وَ لاأَوْلادُهُمْ و ههنا كلمة (لا) محذوفة. وثالثها: أنه قال هناك إِنَّما يُرِيدُاللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ و ههنا حذفاللام و أبدلها بكلمة (أن) و رابعها: أنهقال هناك فِي الْحَياةِ و ههنا حذف لفظالحياة و قال:فِي الدُّنْيا فقد حصل التفاوت بين هاتينالآيتين من هذه الوجوه الأربعة، فوجبعلينا أن نذكر فوائد هذه الوجوه الأربعةفي التفاوت، ثم نذكر فائدة هذا التكرير.
أما المقام الأول:
فنقول:أما النوع الأول: من التفاوت و هو أنهتعالى ذكر قوله: فَلا تُعْجِبْكَ بالفاءفي الآية الأولى و بالواو في الآيةالثانية، فالسبب أن في الآية الأولى إنماذكر هذه الآية بعد قوله: وَ لا يُنْفِقُونَإِلَّا وَ هُمْ كارِهُونَ وصفهم بكونهمكارهين للإنفاق، و إنما كرهوا ذلك الإنفاقلكونهم معجبين بكثرة تلك الأموال. فلهذاالمعنى نهاه اللّه عن ذلك الإعجاب بفاءالتعقيب، فقال: فَلا تُعْجِبْكَأَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ و أماههنا فلا تعلق لهذا الكلام بما قبله فجاءبحرف الواو.
و أما النوع الثاني:
و هو أنه تعالى قال فيالآية الأولى: فَلا تُعْجِبْكَأَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ فالسببفيه أن مثل هذا الترتيب يبتدأ بالأدون ثميترقى إلى الأشرف، فيقال لا يعجبني أمرالأمير و لا أمر الوزير، و هذا يدل على أنهكان إعجاب أولئك الأقوام بأولادهم فوقإعجابهم بأموالهم، و في هذه الآية يدل علىعدم التفاوت بين الأمرين عندهم.
أما النوع الثالث:
و هو أنه قال هناك:إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُلِيُعَذِّبَهُمْ و ههنا قال: إِنَّمايُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْفالفائدة فيه التنبيه على أن التعليل فيأحكام اللّه تعالى محال، و أنه أينما وردحرف التعليل فمعناه «أن» كقوله:وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوااللَّهَ [البينة: 5] أي و ما أمروا إلا بأنيعبدوا اللّه.
و أما النوع الرابع:
و هو أنه ذكر في الآيةالأولى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا و ههناذكر فِي الدُّنْيا و أسقط لفظ الحياة،تنبيها على أن الحياة الدنيا بلغت فيالخسة إلى أنها لا تستحق أن تسمى حياة، بليجب الاقتصار عند