المسألة الثانية: ظاهر الآية يدل على أنبعض المنافقين عاهد اللّه في أنه لو آتاهمالا لصرف بعضه إلى مصارف الخيرات،
ثم إنه تعالى آتاه المال، و ذلك الإنسانما وفى بذلك العهد،وههنا سؤالات:
السؤال الأول:
المنافق كافر، و الكافر كيفيمكنه أن يعاهد اللّه تعالى؟و الجواب: المنافق قد يكون عارفا باللّه،إلا أنه كان منكرا لنبوة محمد عليهالسلام، فلكونه عارفا باللّه يمكنه أنيعاهد اللّه، و لكونه منكرا لنبوة محمدعليه الصلاة و السلام، كان كافرا. و كيف لاأقول ذلك و أكثر هذا العالم مقرون بوجودالصانع القادر؟ و يقل في أصناف الكفار منينكره، و الكل معترفون بأنه تعالى هو الذييفتح على الإنسان أبواب الخيرات، و يعلمونأنه يمكن التقرب إليه بالطاعات و أعمالالبر و الإحسان إلى الخلق، فهذه أمور متفقعليها بين الأكثرين، و أيضا فلعله حينعاهد اللّه تعالى بهذا العهد كان مسلما،ثم لما بخل بالمال، و لم يف بالعهد صارمنافقا، و لفظ الآية مشعر بما ذكرناه حيثقال: فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً.
السؤال الثاني:
هل من شرط هذه المعاهدة أنيحصل التلفظ بها باللسان،أو لا حاجة إلى التلفظ حتى لو نواه بقلبهدخل تحت هذه المعاهدة؟
الجواب:
منهم من قال: كل ما ذكره باللسانأو لم يذكره، و لكن نواه بقلبه فهو داخل فيهذا العهد.يروى عن المعتمر بن سليمان قال: أصابتناريح شديدة في البحر، فنذر قوم منا أنواعامن النذور، و نويت أنا شيئا و ما تكلمت به،فلما قدمت البصرة سألت أبي، فقال: يا بني فبه. و قال أصحاب هذا القول إن قوله:وَ مِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ كانشيئا نووه في أنفسهم، ألا ترى أنه تعالىقال: أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَيَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَ نَجْواهُمْ و قالالمحققون: هذه المعاهدة مقيدة بما إذا حصلالتلفظ بها باللسان، و الدليل عليه قولهعليه السلام: «إن اللّه عفا عن أمتي ماحدثت به نفوسها و لم يتلفظوا به» أو لفظهذا معناه و أيضا فقوله تعالى:وَ مِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْآتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّإخبار عن تكلمه بهذا القول، و ظاهره مشعربالقول باللسان.
السؤال الثالث:
قوله: لَنَصَّدَّقَنَّالمراد منه إخراج مال،ثم إن إخراج المال على قسمين قد يكونواجبا، و قد يكون غير واجب. و الواجب قسمان:قسم وجب بإلزام الشرع ابتداء، كإخراجالزكاة الواجبة، و إخراج النفقاتالواجبة، و قسم لم يجب إلا إذا التزمهالعبد من عند نفسه مثل النذور.إذا عرفت هذه الأقسام الثلاثة، فقوله:لَنَصَّدَّقَنَّ هل يتناول الأقسامالثلاثة، أو ليس الأمر كذلك؟