المسألة الثانية: قالت المعتزلة البصرية:الآية دالة على أنه تعالى كما هو موصوفبصفة المريدية هو موصوف بصفة الكارهية،
بدليل قوله تعالى: وَ لكِنْ كَرِهَاللَّهُ انْبِعاثَهُمْ قال أصحابنا: معنىكَرِهَ اللَّهُ أراد عدم ذلك الشيء. قالالبصرية: العدم لا يصلح أن يكون متعلقا، وذلك لأن الإرادة عبارة عن صفة تقتضي ترجيحأحد طرفي الممكن على الآخر، و العدم نفيمحض، و أيضا فالعدم المستمر لا تعلقللإرادة بالعدم به، لأن تحصيل الحاصلمحال، و جعل العدم عدما محال، فثبت أن تعلقالإرادة بالعدم محال، فامتنع القول بأنالمراد من الكراهة إرادة العدم.أجاب أصحابنا: بأنا نفسر الكراهة في حقاللَّه بإرادة ضد ذلك الشيء، فهو تعالىأراد منهم السكون، فوقع التعبير عن هذهالإرادة بكونه تعالى كارها لخروجهم معالرسول.
المسألة الثالثة: احتج أصحابنا في مسألةالقضاء و القدر بقوله تعالى:فَثَبَّطَهُمْ
أي فكسلهم و ضعف رغبتهم في الانبعاث، وحاصل الكلام فيه لا يتم إلا إذا صرحنابالحق، و هو أن صدور الفعل يتوقف على حصولالداعي إليه، فإذا صارت الداعية فاترةمرجوحة امتنع صدور الفعل عنه، ثم إنصيرورة تلك الداعية جازمة أو فاترة، إنكانت من العبد لزم التسلسل، وإن كانت مناللَّه فحينئذ لزم المقصود لأن تقويةالداعية ليست إلا من اللَّه، و متى حصلتتلك التقوية لزم حصول الفعل، و حينئذ يصحقولنا في مسألة القضاء و القدر.ثم إنه تعالى ختم الآية بقوله: وَ قِيلَاقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ و فيهمسألتان:
المسألة الأولى: المقصود منه التنبيه علىذمهم و إلحاقهم بالنساء و الصبيان والعاجزين
الذين شأنهم القعود في البيوت، و همالقاعدون و الخالفون و الخوالف على ماذكره في قوله: رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوامَعَ الْخَوالِفِ.
[التوبة: 87، 93].
المسألة الثانية: اختلفوا في أن هذا القولممن كان؟
فيحتمل أن يكون القائل بذلك هو الشيطانعلى سبيل الوسوسة، و يحتمل أن يكون بعضهمقال ذلك لبعض لما أرادوا الاجتماع علىالتخلف، لأن من يتولى الفساد يحب التكثربأشكاله، و يحتمل أن يكون القائل هوالرسول صلّى الله عليه وسلّم لما أذن لهمفي التخلف فعاتبه اللَّه، و يحتمل أن يكونالقائل هو اللَّه سبحانه لأنه قد كرهخروجهم للإفساد، و كان المراد إذا كنتممفسدين فقد كره اللَّه انبعاثكم على هذاالوجه فأمركم بالقعود عن هذا الخروجالمخصوص.