أن كسب المال شاق شديد، وحفظه بعد حصوله أشد و أشق و أصعب، فيبقىالإنسان طول عمره تارة في طلب التحصيل، وأخرى في تعب الحفظ، ثم إنه لا ينتفع بهاإلا بالقليل و بالآخر يتركها مع الحسرات والزفرات، و ذلك هو الخسران المبين.
و الوجه الثالث:
أن كثرة المال و الجاهتورث الطغيان، كما قال تعالى: إِنَّالْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُاسْتَغْنى [العلق: 6، 7] و الطغيان يمنع منوصول العبد إلى مقام رضوان الرحمن، ويوقعه في الخسران و الخذلان.
الوجه الرابع:
أنه تعالى أوجب الزكاة وذلك سعي في تنقيص المال، و لو كان تكثيرهفضيلة لما سعى الشرع في تنقيصه.فإن قيل: لم قال عليه السلام: «اليد العلياخير من اليد السفلى».قلنا: اليد العليا إنما أفادته صفةالخيرية، لأنه أعطى ذلك القليل، فبسبب أنهحصل في ماله ذلك النقصان القليلة حصلت لهالخيرية، و بسبب أنه حصل للفقير تلكالزيادة القليل حصلت المرجوحية.
المسألة الثالثة: جاءت الأخبار الكثيرةفي وعيد مانعي الزكاة،
أما منع زكاة النقود فقوله في هذه الآية:يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِجَهَنَّمَ و أما منع زكاة المواشي فما رويفي الحديث أنه تعالى يعذب أصحاب المواشيإذا لم يؤدوا زكاتها بأن يسوق إليه تلكالمواشي كأعظم ما تكون في أجسامها فتمرعلى أربابها فتطؤهم بأظلافها و تنطحهمبقرونها كلما نفدت آخراها عادت إليهمأولاها فلا يزال كذلك حتى يفرغ الناس منالحساب.
المسألة الرابعة: الصحيح عندنا وجوبالزكاة في الحلي،
و الدليل عليه قوله تعالى: وَ الَّذِينَيَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِفَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ.فإن قيل: هذا الوعيد إنما يتناول الرجاللا النساء.قلنا: نتكلم في الرجل الذي اتخذ الحليلنسائه، و أيضا ترتيب هذا الوعيد على جمعالذهب و الفضة حكم مرتب على وصف يناسبه، وهو أن جمع ذلك المال يمنعه من صرفه إلىالمحتاجين مع أنه لا حاجة إليه، إذ لواحتاج إلى إنفاقه لما قدر على جمعه، وإقدام غير المحتاج على منع المال منالمحتاج يناسب أن يمنع منه، فثبت أن هذاالوعيد مرتب على وصف يناسبه، و الحكمالمذكور عقيب وصف يناسبه يجب كونه معللابه، فثبت أن هذا الوعيد لذلك الجمع،فأينما حصل ذلك الوصف وجب أن يحصل معه ذلكالوعيد، و أيضا