[سورة التوبة (9): آية 111]
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَالْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَيُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِفَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْداًعَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَ الْقُرْآنِ وَ مَنْأَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِفَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِيبايَعْتُمْ بِهِ وَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُالْعَظِيمُ (111)اعلم أنه تعالى لما شرع في شرح فضائحالمنافقين و قبائحهم لسبب تخلفهم عن غزوةتبوك، فلما تمم ذلك الشرح و البيان و ذكرأقسامهم، و فرع على كل قسم ما كان لائقابه، عاد إلى بيان فضيلة الجهاد و حقيقتهفقال: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَالْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ و في الآيةمسائل:المسألة الأولى: [في شأن نزول الآية]
قال القرطبي «1»: لما بايعت الأنصار رسولاللّه صلّى الله عليه وسلّم ليلة العقبةبمكة و هم سبعون نفسا، قال عبد اللّه بنرواحة: اشترط لربك و لنفسك ما شئت. فقال:«أشترط لربي أن تعبدوه و لا تشركوا بهشيئا، و لنفسي أن تمنعوني ما تمنعون منهأنفسكم و أموالكم» قالوا: فإذا فعلنا ذلكفماذا لنا؟ قال: «الجنة» قالوا: ربح البيعلا نقيل و لا نستقيل. فنزلت هذه الآية. قالمجاهد و الحسن و مقاتل: ثامنهم فأغلىثمنهم.المسألة الثانية: قال أهل المعاني: لايجوز أن يشتري اللّه شيئا في الحقيقة
لأن المشتري إنما يشتري ما لا يملك، ولهذا قال الحسن: اشترى أنفسا هو خلقها، وأموالا هو رزقها، لكن هذا ذكره تعالى لحسنالتلطف في الدعاء إلى الطاعة، و حقيقةهذا، أن المؤمن متى قاتل في سبيل اللّه حتىيقتل، فتذهب روحه، و ينفق ماله في سبيلاللّه، أخذ من اللّه في الآخرة الجنة جزاءلما فعل. فجعل هذا استبدالا و شراء. هذامعنى قوله: اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَأَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّلَهُمُ الْجَنَّةَ أي بالجنة، و كذا قراءةعمر بن الخطاب و الأعمش. قال الحسن: اسمعواو اللّه بيعة رابحة و كفة راجحة، بايعاللّه بها كل مؤمن، و اللّه ما على الأرضمؤمن إلا و قد دخل في هذه البيعة. و قالالصادق عليه الصلاة و السلام: «ليسلأبدانكم ثمن إلا الجنة فلا تبيعوها إلابها»و قوله: وَ أَمْوالَهُمْيريد التي ينفقونها في سبيل اللّه و علىأنفسهم و أهليهم و عيالهم،و في الآية لطائف:اللطيفة الأولى:
المشتري لا بد له منبائع، و ههنا البائع هو اللّه و المشتري هواللّه،و هذا إنما يصح في حق القيم بأمر الطفلالذي لا يمكنه رعاية المصالح في البيع والشراء، و صحة هذا البيع مشروطة برعايةالغبطة العظيمة، فهذا المثل جار مجرىالتنبيه على كون العبد شبيها بالطفل الذيلا يهتدي إلى رعاية مصالح نفسه، و أنهتعالى هو المراعي لمصالحه بشرط الغبطةالتامة، و المقصود منه التنبيه علىالسهولة و المسامحة، و العفو عن الذنوب، والإيصال إلى درجات الخيرات و مراتبالسعادات.(1) و لا ندري كيف استطاع الإمام الفخرالرازى (ت 606 ه) نقل كلام الإمام القرطبيمحمد بن أحمد أبي عبد اللّه (ت 1671 ه) منتفسيره:الجامع لأحكام القرآن كما وجدناه في (8 267)و (14 ) كما تدل على ذلك سنين وفاتيهما، فقدتوفي الإمام الرازي قبل الإمام القرطبيبخمس و ستين سنة فكيف يستطيع أن ينقل عنه!!.. إلا أن يكون الإمام القرطبي قد عاش (100)سنة (و لا ندري سنة ولادته من المصادرتحديدا) و أنه يؤلف تفسيره «الجامع» في سنمبكرة في حدود الثلاثين. و هنا أمرنستبعده، و هناك احتمال أن يكون مقصودالإمام الرازي أبو جعفر القرطبي، أحمد بنعلي بن أبي بكر بن عتيق، الشافعي، نزيلدمشق (ت 596 ه) و هو الإمام المقرىء المحدثنقول: فلعل الإمام القرطبي صاحب التفسيرقد نقل عن هذا، و هذا الاحتمال بعيد واللّه تعالى أعلم بالصواب. المصحح.