انْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْتَعْلَمُونَ (41)اعلم أنه تعالى لما توعد من لا ينفر معالرسول، و ضرب له من الأمثال ما وصفنا،أتبعه بهذا الأمر الجزم. فقال: انْفِرُواخِفافاً وَ ثِقالًا و المراد انفروا سواءكنتم على الصفة التي يخف عليكم الجهاد أوعلى الصفة التي يثقل، و هذا الوصف يدخلتحته أقسام كثيرة و المفسرون ذكروها.فالأول: خِفافاً في النفور لنشاطكم له وَثِقالًا عنه و لمشقته عليكم. الثاني:خِفافاً لقلة عيالكم وَ ثِقالًا لكثرتها.الثالث:خِفافاً من السلاح وَ ثِقالًا منه.الرابع: ركبانا و مشاة. الخامس: شبانا وشيوخا. السادس: مهازيل و سمانا. السابع:صحاحا و مراضا و الصحيح ما ذكرنا إذ الكلداخل فيه لأن الوصف المذكور وصف كلي، يدخلفيه كل هذه الجزئيات.فإن قيل: أتقولون إن هذا الأمر يتناولجميع الناس حتى المرضى و العاجزين؟قلنا: ظاهره يقتضي ذلك عن ابن أم مكتوم أنهقال لرسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم:أعلي أن أنفر، قال: «ما أنت إلا خفيف أوثقيل» فرجع إلى أهله و لبس سلاحه و وقف بينيديه، فنزل قوله تعالى: لَيْسَ عَلَىالْأَعْمى حَرَجٌ [الفتح: 17 النور: 61] وقال مجاهد: إن أبا أيوب شهد بدرا مع الرسولصلّى الله عليه وسلّم، و لم يتخلف عن غزواتالمسلمين، و يقول: قال اللّه: انْفِرُواخِفافاً وَ ثِقالًا فلا أجدني إلا خفيفاأو ثقيلا. و عن صفوان بن عمرو قال:كنت واليا على حمص، فلقيت شيخا قد سقطحاجباه، من أهل دمشق على راحلته يريدالغزو، قلت يا عم أنت معذور عند اللّه،فرفع حاجبيه و قال: يا ابن أخي استنفرنااللّه خفافا و ثقالا، إلا إن من أحبهابتلاه. و عن الزهري: خرج سعيد بن المسيبإلى الغزو و قد ذهبت إحدى عينيه فقيل لهإنك عليل صاحب ضرر، فقال:استنفر اللّه الخفيف و الثقيل، فإن عجزتعن الجهاد كثرت السواد و حفظت المتاع. وقيل للمقداد بن الأسود وهو يريد الغزو: أنتمعذور، فقال: أنزل اللّه علينا في سورةبراءة انْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالًا.و اعلم أن القائلين بهذا القول الذيقررناه يقولون: هذه الآية صارت منسوخةبقوله تعالى: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمىحَرَجٌ [الفتح: 17 النور: 61] و قال عطاءالخراساني: منسوخة بقوله: وَ ما كانَالْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً[التوبة: 122].و لقائل أن يقول: اتفقوا على أن هذه الآيةنزلت في غزوة تبوك، واتفقوا على أنه عليهالصلاة و السلام خلف النساء و خلف منالرجال أقواما، و ذلك يدل على أن هذاالوجوب ليس على الأعيان، لكنه من فروضالكفايات، فمن أمره الرسول بأن يخرج، لزمهذلك خفافا و ثقالا، و من أمره بأن يبقىهناك، لزمه أن يبقى و يترك النفر و على هذاالتقدير: فلا حاجة إلى التزام النسخ.ثم قال تعالى: وَ جاهِدُوابِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فِيسَبِيلِ اللَّهِ و فيه قولان: