المسألة الثانية: قال أبو علي الفارسي: لايجوز أن يتعلق قوله في كتاب اللّه بقوله:عِدَّةَ الشُّهُورِ
لأنه يقتضي الفصل بين الصلة و الموصولبالخبر الذي هو قوله: اثْنا عَشَرَشَهْراً و أنه لا يجوز. وأقول في إعراب هذهالآية و جوه: الأول: أن نقول قوله: عِدَّةَالشُّهُورِ مبتدأ و قوله: اثْنا عَشَرَشَهْراً خبر. و قوله: عِنْدَ اللَّهِ فيكتاب اللّه يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ظروف أبدل البعض من البعض، والتقدير: إن عدة الشهور اثنا عشر شهرا عنداللّه في كتاب اللّه يوم خلق السموات والأرض. و الفائدة في ذكر هذه الإبدالاتالمتوالية تقرير أن ذلك العدد و اجب متقررفي علم اللّه، و في كتاب اللّه من أول ماخلق اللّه تعالى العالم. الثاني: أن يكونقوله تعالى: فِي كِتابِ اللَّهِ متعلقابمحذوف يكون صفة للخبر تقديره: اثنا عشرشهرا مثبتة في كتاب اللّه، ثم لا يجوز أنيكون المراد بهذا الكتاب كتاب من الكتب،لأنه متعلق بقوله: يَوْمَ خَلَقَالسَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْهاأَرْبَعَةٌ حُرُمٌ و أسماء الأعيان لاتتعلق بالظروف، فلا تقول: غلامك يومالجمعة، بل الكتاب ههنا مصدر و التقدير: إنعدة الشهور عند اللّه اثنا عشر شهرا فيكتاب اللّه، أي في حكمه الواقع يوم خلقالسموات.و الثالث: أن يكون الكتاب اسما و قوله:يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ متعلق بفعلمحذوف و التقدير: إن عدة الشهور عند اللّهاثنا عشر شهرا مكتوبا في كتاب اللّه كتبهيوم خلق السموات و الأرض.
المسألة الثالثة: في تفسير أحكام الآية:إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَاللَّهِ
أي في علمه اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِيكِتابِ اللَّهِ و في تفسير كتاب اللّه وجوه: الأول: قال ابن عباس: إن اللوح المحفوظالذي كتب فيه أحوال مخلوقاته بأسرها علىالتفصيل، وهو الأصل للكتب التي أنزلهااللّه على جميع الأنبياء عليهم السلام.الثاني: قال بعضهم: المراد من الكتابالقرآن، و قد ذكرنا آيات تدل على أن السنةالمعتبرة في دين محمد صلّى الله عليهوسلّم هي السنة القمرية و إذا كان كذلك كانهذا الحكم مكتوبا في القرآن. الثالث: قالأبو مسلم: فِي كِتابِ اللَّهِ أي فيماأوجبه و حكم به، و الكتاب في هذا الموضع هوالحكم و الإيجاب، كقوله تعالى: كُتِبَعَلَيْكُمُ الْقِتالُ [البقرة: 216] كُتِبَعَلَيْكُمُ الْقِصاصُ [البقرة: 178] كَتَبَرَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ[الأنعام: 54] قال القاضي: هذا الوجه بعيد،لأنه تعالى جعل الكتاب في هذه الآيةكالظرف، و إذا حمل الكتاب على الحساب لميستقم ذلك إلا على طريق المجاز، و يمكن أنيجاب عنه: بأنه و إن كان مجازا، إلا أنهمجاز متعارف يقال:إن الأمر كذا و كذا في حساب فلان و في حكمه.و أما قوله: يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَفقد ذكرنا في المسألة الثانية و جوها فيمايتعلق به و الأقرب ما ذكرناه في الوجهالثالث، و هو أن يكون المراد أنه كتب هذاالحكم و حكم به يوم خلق السموات و الأرض، والمقصود بيان أن هذا الحكم حكم محكوم به منأول خلق العالم، و ذلك يدل على المبالغة والتأكيد.و أما قوله: مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌفقد أجمعوا على أن هذه الأربعة ثلاثة منهاسرد، و هي ذو القعدة، و ذو الحجة، والمحرم، و واحد فرد، و هو رجب، و معنىالحرم: أن المعصية فيها أشد عقابا، والطاعة فيها أكثر ثوابا، و العرب كانوايعظمونها جدا حتى لو لقي الرجل قاتل أبيهلم يتعرض له.فإن قيل: أجزاء الزمان متشابهة فيالحقيقة، فما السبب في هذا التمييز؟.