إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْأَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَ هُمْ فَرِحُونَ (50) قُلْلَنْ يُصِيبَنا إِلاَّ ما كَتَبَ اللَّهُلَنا هُوَ مَوْلانا وَ عَلَى اللَّهِفَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)اعلم أن هذا نوع آخر من كيد المنافقين و منخبث بواطنهم، و المعنى: إن تصبك في بعضالغزوات حسنة سواء كان ظفرا، أو كانغنيمة، أو كان انقيادا لبعض ملوك الأطراف،يسؤهم ذلك، و إن تصبك مصيبة من نكبة و شدة ومصيبة و مكروه يفرحوا به، و يقولوا قدأخذنا أمرنا الذي نحن مشهورون به، و هوالحذر و التيقظ و العمل بالحزم، من قبل أيقبل ما وقع و تولوا عن مقام التحدث بذلك، والاجتماع له إلى أهاليهم، و هم فرحونمسرورون، و نقل عن ابن عباس أن الحسنة فييوم بدر، و المصيبة في يوم أحد، فإن ثبتبخبر أن هذا هو المراد وجب المصير إليه، وإلا فالواجب حمله على كل حسنة، و على كلمصيبة، إذ المعلوم من حال المنافقين أنهمفي كل حسنة و عند كل مصيبة بالوصف الذيذكره الله ههنا.ثم قال تعالى قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّاما كَتَبَ اللَّهُ لَنا و فيه أقوال:
القول الاول:
أن المعنى أنه لن يصيبنا خيرو لا شر، و لا خوف و لا رجاء، و لا شدة و لارخاء، إلا و هو مقدر علينا مكتوب عند الله،و كونه مكتوبا عند الله يدل على كونهمعلوما عند الله مقضيا به عند الله، فإن ماسواه ممكن، و الممكن لا يترجح إلا بترجيحالواجب، و الممكنات بأسرها منتهية إلىقضائه و قدره.و اعلم أن أصحابنا يتمسكون بهذه الآية فيأن قضاء الله شامل لكل المحدثات و أن تغيرالشيء عما قضى الله به محال، و تقرير هذاالكلام من وجوه: أحدها: أن الموجود إماواجب و إما ممكن، و الممكن يمتنع أن يترجحأحد طرفيه على الآخر لنفسه، فوجب انتهاؤهإلى ترجيح الواجب لذاته، و ما سواه فواجببإيجاده و تأثيره و تكوينه. و لهذا المعنىقال النبي عليه السلام: «جف القلم بما هوكائن إلى يوم القيامة» و ثانيها: أن اللّهتعالى لما كتب جميع الأحوال في اللوحالمحفوظ فقد علمها و حكم بها، فلو وقعالأمر بخلافها لزم انقلاب العلم جهلا والحكم الصدق كذبا، و كل ذلك محال، و قدأطنبنا في شرح هذه المناظرة في تفسير قولهتعالى:إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌعَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْتُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [البقرة: 6].