معناه أن الشاك المرتاب يبقى مترددا بينالنفي و الإثبات، غير حاكم بأحد القسمين ولا جازم بأحد النقيضين و تقريره: أنالاعتقاد إما أن يكون جازما أو لا يكون،فالجازم إن كان غير مطابق فهو الجهل و إنكان مطابقا، فإن كان غير يقين فهو العلم، وإلا فهو اعتقاد المقلد و إن كان غير جازم،فإن كان أحد الطرفين راجحا فالراجح هوالظن و المرجوح هو الوهم وإن اعتدلالطرفان فهو الريب و الشك، و حينئذ يبقىالإنسان مترددا بين الطرفين.ثم قال تعالى: وَ لَوْ أَرادُواالْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةًو قرىء عدته و قرىء أيضا عدة بكسرالعين بغير إضافة و بإضافة، قال ابن عباس:يريد من الزاد و الماء و الراحلة، لأنسفرهم بعيد و في زمان شديد، و تركهم العدةدليل على أنهم أرادوا التخلف. و قال آخرون:هذا إشارة إلى أنهم كانوا مياسير قادرينعلى تحصيل الأهبة و العدة.ثم قال تعالى: وَ لكِنْ كَرِهَ اللَّهُانْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ و فيهمسائل:
المسألة الأولى: الانبعاث: الانطلاق فيالأمر،
يقال بعثت البعير فانبعث و بعثته لأمر كذافانبعث، و بعثه لأمر كذا أي نفذه فيه، والتثبيط رد الإنسان على الفعل الذي هم به،و المعنى: أنه تعالى كره خروجهم مع الرسولصلّى الله عليه وسلّم فصرفهم عنه.فإن قيل: إن خروجهم مع الرسول إما أن يقالإنه كان مفسدة و إما أن يقال إنه كان مصلحة.فإن قلنا: إنه كان مفسدة، فلم عاتب الرسولفي إذنه إياهم في القعود؟ و إن قلنا: إنهكان مصلحة، فلم قال إنه تعالى كرهانبعاثهم و خروجهم؟
و الجواب الصحيح:
أن خروجهم مع الرسول ماكان مصلحة، بدليل أنه تعالى صرح بعد هذهالآية و شرح تلك المفاسد و هو قوله: لَوْخَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّاخَبالًا [التوبة: 47] بقي أن يقال فلما كانالأصوب الأصلح أن لا يخرجوا، فلم عاتبالرسول في الإذن؟ فنقول: قد حكينا عن أبيمسلم أنه قال: ليس في قوله لِمَ أَذِنْتَلَهُمْ [التوبة: 43] أنه عليه الصلاة والسلام كان قد أذن لهم في القعود، بل يحتملأن يقال إنهم استأذنوه في الخروج معه فأذنلهم، و على هذا التقدير فإنه يسقط السؤال،قال أبو مسلم و الدليل على صحة ما قلنا إنهذه الآية دلت على أن خروجهم معه كانمفسدة، فوجب حمل ذلك العتاب على أنه عليهالصلاة و السلام أذن لهم في الخروج معه، وتأكد ذلك بسائر الآيات، منها قوله تعالى:فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍمِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِفَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً[التوبة: 83] و منها قوله تعالى: سَيَقُولُالْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْإلى قوله: قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا [الفتح:15] فهذا دفع هذا السؤال على طريقة أبي مسلم.
والوجه الثاني:
من الجواب أن نسلم أنالعتاب في قوله: لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْإنما توجه لأنه عليه الصلاة و السلام أذنلهم في القعود، فنقول: ذلك العتاب ما كانلأجل أن ذلك القعود كان مفسدة، بل لأجل أنإذنه عليه الصلاة و السلام بذلك القعودكان مفسدة و بيانه من وجوه: الأول: أنه عليهالصلاة و السلام أذن قبل إتمام التفحص وإكمال التأمل و التدبر، و لهذا السبب قالتعالى: لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّىيَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ