المسألة الثالثة: دلت هذه الآية على أنشيئا من أعمال البر لا يكون مقبولا عنداللّه مع الكفر باللّه.
فإن قيل: فكيف الجمع بينه و بين قوله:فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍخَيْراً يَرَهُ [الزلزلة: 7].قلنا: وجب أن يصرف ذلك الى تأثيره فى تخفيفالعقاب، و دلت الآية على أن الصلاة لازمةللكافر، و لو لا ذلك لما ذمهم اللّه تعالىعلى فعلها على وجه الكسل.فإن قالوا: لم لا يجوز أن يقال الموجب للذمليس هو ترك الصلاة؟ بل الموجب للذم هوالإتيان بها على وجه الكسل جاريا مجرىسائر تصرفاتها من قيام و قعود، و كما لايكون قعودهم على وجه الكسل مانعا من تقبلطاعتهم، فكذلك كان يجب في صلاتهم لو لم تجبعليهم.
المسألة الرابعة: مضى تفسير الكسالى فيسورة النساء.
قال صاحب «الكشاف»: كُسالى بالضم والفتح جمع الكسلان: نحو سكارى و حيارى فيسكران و حيران. قال المفسرون: هذا الكسلمعناه أنه إن كان في جماعة صلى، و إن كانوحده لم يصل. قال المصنف: إن هذا المعنىإنما أثر في منع قبول الطاعات، لأن هذاالمعنى يدل على أنه لا يصلي طاعة لأمراللّه و إنما يصلي خوفا من مذمة الناس، وهذا القدر لا يدل على الكفر. أما لما ذكرهاللّه تعالى بعد أن وصفهم بالكفر، دل علىأن الكسل إنما كان لأنهم يعتقدون أنه غيرواجب، و ذلك يوجب الكفر.أما قوله: وَ لا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ فالمعنى: أنهم لا ينفقونلغرض الطاعة، بل رعاية للمصلحة الظاهرة، وذلك أنهم كانوا يعدون الإنفاق مغرما وضيعةبينهم، و هذا يوجب أن تكون النفس طيبة عندأداء الزكاة و الإنفاق في سبيل اللّه، لأناللّه تعالى ذم المنافقين بكراهتهمالإنفاق، و هذا معنى قوله عليه السلام:«أدوا زكاة أموالكم طيبة بها نفوسكم» فإنأداها و هو كاره لذلك كان من علامات الكفرو النفاق. قال المصنف رضي اللّه عنه: حاصلهذه المباحث يدل على أن روح الطاعاتالإتيان بها لغرض العبودية و الانقياد فيالطاعة، فإن لم يؤت بها لهذا الغرض، فلافائدة فيه، بل ربما صارت وبالا على صاحبها.
المسألة الخامسة: وَ ما مَنَعَهُمْ أَنْتُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ قرأ حمزةو الكسائي أن يقبل بالياء و الباقونبالتاء على التأنيث.
وجه الأولين: أن النفقات في معنى الإنفاق،كقوله: فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ و وجه منقرأ بالتأنيث أن الفعل مسند إلى مؤنث. قالصاحب «الكشاف»: قرىء نَفَقاتُهُمْ ونفقتهم على الجمع