الحكم الأول استدللت بهذه الآية على أنالمسلم لا يقتل بالذمي
و الوجه في تقريره أن قوله: «قاتلوهم»يقتضي إيجاب مقاتلتهم، و ذلك مشتمل علىإباحة قتلهم و على عدم وجوب القصاص بسببقتلهم، فلما قال: حَتَّى يُعْطُواالْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَعلمنا أن مجموع هذه الأحكام قد انتهت عندإعطاء الجزية، و يكفي في انتهاء المجموعارتفاع أحد أجزائه، فإذا ارتفع وجوب قتلهو إباحة دمه، فقد ارتفع ذلك المجموع، و لاحاجة في ارتفاع المجموع إلى ارتفاع جميعأجزاء المجموع.إذا ثبت هذا فنقول: قوله: قاتلواالموصوفين من أهل الكتاب يدل على عدم وجوبالقصاص بقتلهم و قوله: حَتَّى يُعْطُواالْجِزْيَةَ لا يوجب ارتفاع ذلك الحكم،لأنه كفى في انتهاء ذلك المجموع انتهاءأحد أجزائه وهو وجوب قتلهم، فوجب أن يبقىبعد أداء الجزية عدم وجوب القصاص كما كان.
الحكم الثاني الكفار فريقان، فريق عبدةالأوثان و عبدة ما استحسنوا،
فهؤلاء لا يقرون على دينهم بأخذ الجزية، ويجب قتالهم حتى يقولوا لا إله إلا اللَّه،و فريق هم أهل الكتاب، و هم اليهود والنصارى و السامرة و الصابئون، و هذانالصنفان سبيلهم في أهل الكتاب سبيل أهلالبدع فينا، و المجوس أيضا سبيلهم سبيلأهل الكتاب، لقوله عليه السلام: «سنوا بهمسنة أهل الكتاب» و روي أنه صلّى الله عليهوسلّم أخذ الجزية من مجوس هجر، فهؤلاء يجبقتالهم حتى يعطوا الجزية و يعاهدواالمسلمين على أداء الجزية، و إنما قلناإنه لا تؤخذ الجزية إلا من أهل الكتاب،لأنه تعالى لما ذكر الصفات الأربعة، و هيقوله تعالى: قاتِلُوا الَّذِينَ لايُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْيَوْمِالْآخِرِ وَ لا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَاللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ لا يَدِينُونَدِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواالْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَعَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ قيدهم بكونهممن أهل الكتاب و هو قوله: مِنَ الَّذِينَأُوتُوا الْكِتابَ و إثبات ذلك الحكم فيغير هم يقتضي إلغاء هذا القيد المنصوصعليه و أنه لا يجوز.
الحكم الثالث في قدر الجزية.
قال أنس: قسم رسول اللّه صلّى الله عليهوسلّم على كل محتلم دينارا، و قسم عمر علىالفقراء من أهل الذمة اثني عشر درهما، وعلى الأوسط أربعة وعشرين، وعلى أهل الثروةثمانية و أربعين. قال أصحابنا: و أقلالجزية دينار، و لا يزاد على الدينار إلابالتراضي، فإذا رضوا و التزموا الزيادةضربنا على المتوسط دينارين، و على الغنيأربعة دنانير، و الدليل على ما ذكرنا: أنالأصل تحريم أخذ مال المكلف إلا أن قوله:حَتَّى يُعْطُوا