و الرابع: أن العالم بالأسرار و الضمائرهو اللّه تعالى، و إخلاص القلب لا يعلمهإلا اللّه، فلهذا السبب خص تعالى نفسهبالذكر. الخامس: لما وجب أن يكون رضاالرسول مطابقا لرضا اللّه تعالى و امتنعحصول المخالفة بينهما وقع الاكتفاء بذكرأحدهما كما يقال: إحسان زيد و إجماله نعشنىو جبرني. السادس: التقدير:و اللّه أحق أن يرضوه و رسوله كذلك و قوله:إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ فيه قولان:الأول: إن كانوا مؤمنين على ما ادعوا. والثاني: أنهم كانوا عالمين بصحة دينالرسول إلا أنهم أصروا على الكفر حسدا وعنادا، فلهذا المعنى قال تعالى: إِنْكانُوا مُؤْمِنِينَ و في الآية دلالة علىرضا اللّه لا يحصل بإظهار الإيمان، ما لميقترن به التصديق بالقلب، و يبطل قولالكرامية الذين يزعمون أن الإيمان ليس إلاالقول باللسان.
[سورة التوبة (9): آية 63]
أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْيُحادِدِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَأَنَّلَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَالْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63)اعلم أن المقصود من هذه الآية أيضا، شرحأحوال المنافقين الذين تخلفوا عن غزوةتبوك و في الآية مسائل: المسألة الأولى:قال أهل المعاني: قوله: ا لم تعلم خطاب لمنحاول الإنسان تعليمه مدة و بالغ في ذلكالتعليم ثم إنه لم يعلم فيقال له: ألم تعلمبعد هذه الساعات الطويلة و المدة المديدة،و إنما حسن ذلك لأنه طال مكث رسول اللّهصلّى الله عليه وسلّم معهم، و كثرتنهاياته للتحذير عن معصية اللّه و الترغيبفي طاعته، فالضمير في قوله:أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ ضميرالأمر و الشأن، و المعنى: أن الأمر و الشأنكذا و كذا. و الفائدة في هذا الضمير هو أنهلو ذكر بعد كلمة (أن) ذلك المبتدأ و الخبرلم يكن له كثير وقع. فأما اذا قلت الأمر والشأن كذا و كذا أوجب مزيد تعظيم و تهويللذلك الكلام. و قوله: مَنْ يُحادِدِاللَّهَ قال الليث: حاددته أي خالفته، والمحاددة كالمجانبة و المعاداة والمخالفة، و اشتقاقه من الحد، و معنى حادفلان فلانا، أي صار في حد غير حده كقوله:شاقه أي صار في شق غير شقه، و معنىيُحادِدِ اللَّهَ أي يصير في حد غير حدأولياء اللّه بالمخالفة. و قال أبو مسلم:المحادة مأخوذة من الحديد حديد السلاح، ثمللمفسرين ههنا عبارات: يخالف اللّه، و قيليحارب اللّه، و قيل يعاند اللّه. و قيليعاد اللّه.ثم قال: فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ وفيه وجوه: الأول: التقدير: فحق أن له نارجهنم. الثاني: معناه فله نار جهنم، و إنتكرر للتوكيد. الثالث: أن نقول جواب (من)محذوف، و التقدير: ألم يعلموا أنه من يحادداللّه و رسوله يهلك فأن له نار جهنم. قالالزجاج: و يجوز كسر (إن) على الاستئناف منبعد الفاء و القراءة بالفتح.و نقل الكعبي في «تفسيره» أن القراءةبالكسر موجودة. قال أبو مسلم جهنم من أسماءالنار، و أهل اللغة يحكون عن العرب أنالبئر البعيدة القعر تسمى الجهنام عندهم،فجاز في جهنم أن تكون مأخوذة من هذا اللفظ،و معنى