قال ابن عباس في بعض الروايات عنه أن عليالما أغلظ الكلام للعباس، قال العباس: إنكنتم سبقتمونا بالإسلام، و الهجرة، والجهاد فلقد كنا نعمر المسجد الحرام ونسقي الحاج فنزلت هذه الآية، و قيل إنالمشركين قالوا لليهود، نحن سقاة الحاج وعمار السمجد الحرام، فنحن أفضل أم محمد وأصحابه؟ فقالت اليهود لهم أنتم أفضل. وقيل: إن عليا عليه السلام قال للعباس رضياللّه عنه بعد إسلامه: يا عمي ألا تهاجرونألا تلحقون برسول اللّه صلّى الله عليهوسلّم؟ فقال: ألست في أفضل من الهجرة؟ أسقيحاج بيت اللّه و أعمر المسجد الحرام فلمانزلت هذه الآية قال: ما أراني إلا تاركسقايتنا. فقال عليه الصلاة و السلام:«أقيموا على سقياتكم فإن لكم فيها خيرا» وقيل افتخر طلحة بن شيبة و العباس و علي،فقال طلحة: أنا صاحب البيت بيدي مفتاحه، ولو أردت بت فيه. قال العباس: أنا صاحبالسقاية و القائم عليها. قال علي: أنا صاحبالجهاد فأنزل اللّه تعالى هذه الآية. قالالمصنف رضي اللّه عنه: حاصل الكلام أنهيحتمل أن يقال: هذه الآية مفاضلة جرت بينالمسلمين و يحتمل أنها جرت بين المسلمين والكافرين. أما الذين قالوا إنها جرت بينالمسلمين فقد احتجوا بقوله تعالى بعد هذهالآية في حق المؤمنين المهاجرين:أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ[التوبة: 20] و هذا يقتضي أيضا أن يكونللمرجوح أيضا درجة عند اللّه، و هذا يقتضيأيضا أن يكون للمرجوح أيضا درجة عنداللّه، و ذلك لا يليق إلا بالمؤمن و سنجيبعن هذا الكلام إذا انتهينا إليه. و أماالذين قالوا: إنها جرت بين المسلمين والكافرين، فقد احتجوا على صحة قولهم بقولهتعالى:كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ و بين من آمنباللّه و هذا هو الأقرب عندي. تقرير الكلامأن نقول: إنا قد نقلنا في تفسير قوله تعالى:إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْآمَنَ بِاللَّهِ [التوبة: 18] أن العباساحتج على فضائل نفسه، بأنه عمر المسجدالحرام و سقى الحاج فأجاب اللّه عنهبوجهين:
الوجه الأول:
ما بين في الآية الأولى أنعمارة المسجد، إنما توجب الفضيلة إذا كانتصادرة عن المؤمن، أما إذا كانت صادرة عنالكافر فلا فائدة فيها البتة.
و الوجه الثاني:
من الجواب كل ما ذكره فيهذه الآية، و هو أن يقال: هب أنا سلمنا أنعمارة المسجد الحرام و سقي الحاج، يوجبنوعا من أنواع الفضيلة، إلا أنها بالنسبةإلى الإيمان باللّه، و الجهاد قليل جدافكان ذكر هذه الأعمال في مقابلة الإيمانباللّه و الجهاد خطأ، لأنه يقتضي مقابلةالشيء الشريف الرفيع جدا بالشيءالحقير التافه جدا، و أنه باطل، فهذا هوالوجه في تخريج هذه الآية، و بهذا الطريقيحصل النظم الصحيح لهذه الآية بما قبلها.
المسألة الثانية: قال صاحب «الكشاف»:السقاية و العمارة مصدران من سقى و عمركالصيانة و الوقاية.
و اعلم أن السقاية و العمارة فعل، قوله:كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ إشارة إلىالفاعل، فظاهر اللفظ يقتضي تشبيه الفعلبالفاعل، و الصفة بالذات و أنه محال، فلابد من التأويل وهو من وجهين: الأول: أن نقولالتقدير أجعلتم