أن يقال: المال بالكلية في يد الغني مع أنهغير محتاج إليه، و إهمال جانب الفقيرالعاجز عن الكسب بالكلية، لا يليق بحكمةالحكيم الرحيم، فوجب أن يجب على الغني صرفطائفة من ذلك المال إلى الفقير.
الوجه الخامس:
أن الشرع لما أبقى في يد المالك أكثر ذلكالمال و صرف إلى الفقير منه جزأ قليلا،تمكن المالك من جبر ذلك النقصان بسبب أنيتجر بما بقي في يده من ذلك المال و يربح ويزول ذلك النقصان.أما الفقير ليس له شيء أصلا، فلو لم يصرفإليه طائفة من أموال الأغنياء لبقي معطلاو ليس له ما يجبره، فكان ذلك أولى.
الوجه السادس:
أن الأغنياء لو لم يقوموا بإصلاح مهماتالفقراء فربما حملهم شدة الحاجة و مضرةالمسكنة على الالتحاق بأعداء المسلمين،أو على الإقدام على الأفعال المنكرةكالسرقة و غيرها فكان إيجاب الزكاة يفيدهذه الفائدة فوجب القول بوجوبها.
الوجه السابع:
قال عليه الصلاة و السلام: «الإيماننصفان، نصف صبر و نصف شكر» و المال محبوببالطبع، فوجدانه يوجب الشكر و فقدانه يوجبالصبر، و كأنه قيل: أيها الغني أعطيتكالمال فشكرت فصرت من الشاكرين، فأخرج منيدك نصيبا منه حتى تصبر على فقدان ذلكالمقدار فتصير بسببه من الصابرين، و أيهاالفقير ما أعطيتك الأموال الكثيرة فصبرتفصرت من الصابرين، و لكني أوجب على الغنيأن يصرف إليك طائفة من ذلك المال حتى إذادخل ذلك المقدار في ملكك شكرتني، فصرت منالشاكرين، فكان إيجاب الزكاة سببا في جعلجميع المكلفين موصوفين بصفة الصبر و الشكرمعا.
الوجه الثامن:
كأنه سبحانه يقول للفقير إن كنت قد منعتكالأموال الكثيرة، و لكني جعلت نفسي مديونامن قبلك، و إن كنت قد أعطيت الغني أموالاكثيرة لكني كلفته أن يعدوا خلفك، و أنيتضرع إليك حتى تأخذ ذلك القدر منه، فتكونكالمنعم عليه بأن خلصته من النار.فإن قال الغني: قد أنعمت عليك بهذاالدينار، فقل أيها الفقير بل أنا المنعمعليك حيث خلصتك في الدنيا من الذم و العار،و في الآخرة من عذاب النار، فهذه جملة منالوجوه في حكمة إيجاب الزكاة بعضهايقينية، و بعضها إقناعية، و العالم بأسرارحكم اللّه و حكمته ليس إلا اللّه. و اللّهأعلم.