في قوله: كَافَّةً قولان:الأول: أن يكون المراد قاتلوهم بأجمعهممجتمعين على قتالهم، كما أنهم يقاتلونكمعلى هذه الصفة، يريد تعاونوا و تناصرواعلى ذلك و لا تتخاذلوا و لا تتقاطعواوكونوا عباد اللّه مجتمعين متوافقين فيمقاتلة الأعداء. و الثاني: قال ابن عباس:قاتلوهم بكليتهم و لا تحابوا بعضهم بتركالقتال، كما أنهم يستحلون قتال جميعكم، والقول الأول أقرب حتى يصح قياس أحدالجانبين على الآخر.
البحث الثالث:
ظاهر قوله: قاتِلُواالْمُشْرِكِينَ كَافَّةً إباحة قتالهم فيجميع الأشهر،و من الناس من يقول: المقاتلة مع الكفارمحرمة، بدليل قوله: مِنْها أَرْبَعَةٌحُرُمٌ ... فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّأَنْفُسَكُمْ أي فلا تظلموا فيهن أنفسكمباستحلال القتال و الغارة فيهن، و قدذكرنا هذه المسألة في سورة البقرة فيتفسير قوله:يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِقِتالٍ فِيهِ [البقرة: 217].ثم قال: وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَالْمُتَّقِينَيريد مع أوليائه الذين يخشونه في أداءالطاعات و الاجتناب عن المحرمات. قالالزجاج: تأويله أنه ضامن لهم النصر.
[سورة التوبة (9): آية 37]
إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِيالْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَكَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُاعِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّواما حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُأَعْمالِهِمْ وَ اللَّهُ لا يَهْدِيالْقَوْمَ الْكافِرِينَ (37)[في قوله تعالى إِنَّمَا النَّسِيءُزِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ]و في الآية مسائل:
المسألة الأولى: في النَّسِيءُ قولان:
القول الأول:
أنه التأخير. قال أبو زيد:نسأت الإبل عن الحوض أنسأها نسأ إذاأخرتها و أنسأته إنساء إذا أخرته عنه،والاسم النسيئة و النسء، و منه: أنسأاللّه فلانا أجله، و نسأ في أجله قال أبوعلي الفارسي: النسىء مصدر كالنذير والنكير، و يحتمل أيضا أن يكون نسىء بمعنىمنسوء كقتيل: بمعنى مقتول، إلا أنه لا يمكنأن يكون المراد منه ههنا المفعول، لأنه إنحمل على ذلك كان معناه: إنما المؤخر زيادةفي الكفر، و المؤخر الشهر، فيلزم كونالشهر كفرا، و ذلك باطل، بل المراد منالنسيء ههنا المصدر بمعنى الإنساء، وهوالتأخير.وكان النسىء في الشهور عبارة عن تأخيرحرمة شهر إلى شهر آخر، ليست له تلك الحرمة.و روي عن ابن كثير من طريق شبل: النسءبوزن النفع و هو المصدر الحقيقي، كقولهم:نسأت، أي أخرت و روي عنه أيضا:النسىء مخففة الياء، ولعله لغة فيالنسء بالهمزة مثل: أرجيت و أرجأت. ورويعنه: النسي مشدد الياء بغير همزة و هذا علىالتخفيف القياسي.
و القول الثاني:
قال قطرب: النسىء أصلهمن الزيادة يقال: نسأل في الأجل و أنسأ إذازاد فيه، و كذلك قيل للبن النسء لزيادةالماء فيه، و نسأت المرأة حبلت، جعل زيادةالولد فيها كزيادة الماء في اللبن، و قيلللناقة: نسأتها، أي زجرتها ليزداد سيرها وكل زيادة حدثت في شيء فهو نسىء قالالواحدي: الصحيح القول الأول، و هو أن أصلالنسىء التأخير، و نسأت المرأة إذا حبلتلتأخر حيضها، و نسأت الناقة أي أخرتها عنغيرها، لئلا يصير اختلاط بعضها ببعض مانعامن حسن المسير، و نسأت اللبن إذا أخرته حتىكثر الماء فيه.