المسألة الثالثة: اعلم أنه تعالى حكى أنمن المنافقين من يؤذي النبي، ثم فسر ذلكالإيذاء
بأنهم يقولون للنبي أنه أذن، و غرضهم منهأنه ليس له ذكاء و لا بعد غور، بل هو سليمالقلب سريع الاغترار بكل ما يسمع، فلهذاالسبب سموه بأنه أذن، كما أن الجاسوس يسمىبالعين يقال: جعل فلان علينا عينا، أيجاسوسا متفحصا عن الأمور، فكذا ههنا.ثم إنه تعالى أجاب عنه بقوله قُلْ أُذُنُخَيْرٍ لَكُمْ و التقدير: هب أنه أذن لكنهخير لكم و قوله: أُذُنُ خَيْرٍ مثل ما يقالفلان رجل صدق و شاهد عدل، ثم بين كونهأُذُنُ خَيْرٍ بقوله: يُؤْمِنُ بِاللَّهِوَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ رَحْمَةٌلِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ جعل تعالىهذه الثلاثة كالموجبة لكونه عليه الصلاة والسلام أُذُنُ خَيْرٍ فلنبين كيفيةاقتضاء هذه المعاني لتلك الخيرية.أما الأول: و هو قوله: يُؤْمِنُ بِاللَّهِفلأن كل من آمن باللّه خائفا من اللّه، والخائف من اللّه لا يقدم على الإيذاءبالباطل.و أما الثاني: و هو قوله: وَ يُؤْمِنُلِلْمُؤْمِنِينَ فالمعنى أنه يسلمللمؤمنين قولهم و المعنى أنهم إذا توافقواعلى قول واحد، سلم لهم ذلك القول، و هذاينافي كونه سليم القلب سريع الاغترار.فإن قيل: لم عدى الإيمان إلى اللّه بالباءو إلى المؤمنين باللام؟قلنا: لأن الإيمان المعدى إلى اللّهالمراد منه التصديق الذي هو نقيض الكفر،فعدى بالباء، و الإيمان المعدى إلىالمؤمنين معناه الاستماع منهم و التسليملقولهم فيتعدى باللام، كما في قوله: وَ ماأَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا [يوسف: 17] و قوله:فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌمِنْ قَوْمِهِ [يونس: 83] و قوله: أَنُؤْمِنُ لَكَ وَ اتَّبَعَكَالْأَرْذَلُونَ [الشعراء: 111] و قوله:آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ[الشعراء: 49].و أما الثالث: و هو قوله: وَ رَحْمَةٌلِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ فهذا أيضايوجب الخيرية لأنه يجري أمركم على الظاهر،و لا يبالغ في التفتيش عن بواطنكم، و لايسعى في هتك أستاركم، فثبت أن كل واحد منهذه الأوصاف الثلاثة يوجب كونه أُذُنُخَيْرٍ و لما بين كونه سببا للخير و الرحمةبين أن كل من آذاه استوجب العذاب الأليم،لأنه إذا كان يسعى في إيصال الخير و الرحمةإليهم مع كونهم في غاية الخبث و الخزي، ثمإنهم بعد ذلك يقابلون إحسانه بالإساءة وخيراته بالشرور، فلا شك أنهم يستحقونالعذاب الشديد من اللّه تعالى.
المسألة الرابعة: أما قراءة من قرأ أُذُنُخَيْرٍ بالتنوين في الكلمتين ففيه وجوه:
الوجه الأول: التقدير قل أذن واعية سامعةللحق خير لكم من هذا الطعن الفاسد الذيتذكرون، ثم ذكر