أن لفظ خَيْرٌ يستعمل فيمعنيين: أحدهما: بمعنى هذا خير من ذاك. والثاني: بمعنى أنه في نفسه خير كقوله:إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْخَيْرٍ فَقِيرٌ [القصص: 24] و قوله: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ[العاديات: 8] و يقال: الثريد خير من اللّه،أي هو خير في نفسه، و قد حصل من اللّهتعالى، فقوله: ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْالمراد هذا الثاني، و على هذا الوجه يسقطالسؤال.
الوجه الثاني:
سلمنا أن المراد كونه خيرامن غيره، إلا أن التقدير: أن ما يستفادبالجهاد من نعيم الآخرة خير مما يستفيدهالقاعد عنه من الراحة و الدعة و التنعمبهما، و لذلك قال تعالى: إِنْ كُنْتُمْتَعْلَمُونَ لأن ما يحصل من الخيرات فيالآخرة على الجهاد لا يدرك إلا بالتأمل،ولا يعرفه إلا المؤمن الذي عرف بالدليل أنالقول بالقيامة حق، و أن القول بالثواب والعقاب حق و صدق.
[سورة التوبة (9): آية 42]
لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَ سَفَراًقاصِداً لاتَّبَعُوكَ وَ لكِنْ بَعُدَتْعَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَ سَيَحْلِفُونَبِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنامَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ(42)اعلم أنه تعالى لما بالغ في ترغيبهم فيالجهاد في سبيل اللّه، و كان قد ذكر قوله:يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْإِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِاللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ[التوبة: 38] عاد إلى تقرير كونهم متثاقلين،و بين أن أقواما، مع كل ما تقدم من الوعيد والحث على الجهاد، تخلفوا في غزوة تبوك، وبين أنه لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَو في الآية مسائل:
المسألة الأولى: العرض ما عرض لك من منافعالدنيا،
يقال: الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر.قال الزجاج: فيه محذوف و التقدير: لو كانالمدعو إليه سفرا قاصدا، فحذف اسم (كان)لدلالة ما تقدم عليه. و قوله: سَفَراًقاصِداً قال الزجاج: أي سهلا قريبا. و إنماقيل لمثل هذا قاصدا، لأن المتوسط، بينالإفراط، و التفريط، يقال له: مقتصد. قالتعالى: فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ [فاطر: 32] و تحقيقه أنالمتوسط بين الكثرة و القلة يقصده كل أحد،فسمي قاصدا، و تفسير القاصد: ذو قصد،كقولهم لابن و تامر ورابح. قوله: وَ لكِنْبَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ قالالليث: الشقة بعد مسيره إلى أرض بعيدةيقال: شقة شاقة، و المعنى: بعدت عليهمالشاقة البعيدة، و السبب في هذا الاسم أنهشق على الإنسان سلوكها. و نقل صاحب«الكشاف» عن عيسى بن عمر: أنه قرأ بَعُدَتْعَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ بكسر العين والشين.