المسألة الرابعة: نقل صاحب «الكشاف» عنابن الزبير أنه قرأ و لأوقصوا من وقصتالناقة و قصا إذا أسرعت و أوقصتها،
و قرىء و لأرفضوا.فإن قيل: كيف كتب في المصحف (و لا أوضعوا)بزيادة الألف؟أجاب صاحب «الكشاف» بأن الفتحة كانت ألفاقبل الخط العربي و الخط العربي اخترعقريبا من نزول القرآن و قد بقي في ذلكالألف أثر في الطباع، فكتبوا صورة الهمزةألفا و فتحتها ألفا أخرى و نحوه (أولاأذبحنه).
المسألة الخامسة: قوله: خِلالَكُمْ أيفيما بينكم،
و منه قوله: وَ فَجَّرْنا خِلالَهُمانَهَراً [الكهف:33] و قوله: فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ[الإسراء: 5] و أصله من الخلل، و هو الفرجةبين الشيئين و جمعه خلال، و منه قوله:فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْخِلالِهِ [النور: 43] و قرىء من خلله و هيمخارج مصب القطر، و قال الأصمعي: تخللتالقوم إذا دخلت بين خللهم و خلالهم. و يقال:جلسنا خلال بيوت الحي و خلال دورهم أيجلسنا بين البيوت و وسط الدور.إذا عرفت هذا فنقول: قوله: وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ أي بالنميمة والإفساد و قوله: يَبْغُونَكُمُالْفِتْنَةَ أي يبغون لكم، و قال الأصمعي:ابغني كذا أي اطلبه لي، و معنى ابغني و ابغلي، سواء، و إذا قال ابغني، فمعناه: أعنيعلى ما بغيته، و معنى الْفِتْنَةَ ههناافتراق الكلمة و ظهور التشويش.و اعلم أن حاصل الكلام هو أنهم لو خرجوافيهم ما زادوهم إلا خبالا، و الخبال هوالإفساد الذي يوجب اختلاف الرأي و هو منأعظم الأمور التي يجب الاحتراز عنها فيالحروب لأن عند حصول الاختلاف في الرأييحصل الانهزام و الانكسار على أسهلالوجوه. ثم بين تعالى أنهم لا يقتصرون علىذلك بل يمشون بين الأكابر بالنميمة فيكونالإفساد أكثر، و هو المراد بقوله: وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ.فأما قوله: وَ فِيكُمْ سَمَّاعُونَلَهُمْففيه قولان: الأول: المراد: فيكم عيون لهمينقلون إليهم ما يسمعون منكم، و هذا قولمجاهد و ابن زيد. و الثاني: قال قتادة: فيكممن يسمع كلامهم و يقبل قولهم، فإذا ألقواإليهم أنواعا من الكلمات الموجبة لضعفالقلب قبلوها و فتروا بسببها عن القيامبأمر الجهاد كما ينبغي.فإن قيل: كيف يجوز ذلك على المؤمنين مع قوةدينهم و نيتهم في الجهاد؟قلنا: لا يمتنع فيمن قرب عهده بالإسلام أنيؤثر قول المنافقين فيهم و لا يمتنع كونبعض الناس مجبولين على الجبن و الفشل وضعفالقلب، فيؤثر قولهم فيهم، و لا يمتنع أنيكون بعض المسلمين من أقارب رؤساءالمنافقين فينظرون إليهم بعين الإجلال والتعظيم، فلهذا السبب يؤثر قول هؤلاءالأكابر من المنافقين فيهم، و لا يمتنعأيضا أن يقال: المنافقون على قسمين: منهممن يقتصر على النفاق و لا يسعى في الأرضبالفساد، ثم إن الفريق الثاني منالمنافقين يحملونهم على السعي بالفسادبسبب إلقاء الشبهات و الأراجيف إليهم.ثم إنه تعالى ختم الآية بقوله: وَ اللَّهُعَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَالذين ظلموا أنفسهم بسبب كفرهم و نفاقهم،و ظلموا غيرهم بسبب أنهم سعوا في إلقاءغيرهم في وجوه الآفات و المخالفات. واللَّه أعلم.