قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُبِأَيْدِيكُمْ وَ يُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَ يَشْفِصُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَ يَتُوبُاللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُعَلِيمٌ حَكِيمٌ (15)اعلم أنه تعالى لما قال في الآية الأولى:أَ لا تُقاتِلُونَ قَوْماً [التوبة: 13] ذكرعقيبه سبعة أشياء كل واحد منها يوجبإقدامهم على القتال.ثم إنه تعالى في هذه الآية أعاد الأمربالقتال و ذكر في ذلك القتال خمسة أنواع منالفوائد،كل واحد منها يعظم موقعه إذا انفرد فكيفبها إذا اجتمعت؟فأولها: قوله: يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُبِأَيْدِيكُمْ و فيه مباحث:
البحث الأول:
أنه تعالى سمى ذلك عذابا و هوحقفإنه تعالى يعذب الكافرين فإن شاء عجله فيالدنيا و إن شاء أخره إلى الآخرة.
البحث الثاني:
أن المراد من هذا التعذيبالقتل تارة و الأسر أخرى و اغتنام الأموالثالثا،فيدخل فيه كل ما ذكرناه.فإن قالوا: أ ليس أنه تعالى قال: وَ ما كانَاللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَفِيهِمْ [الأنفال: 33] فكيف قال ههنا:يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ.قلنا: المراد من قوله: وَ ما كانَ اللَّهُلِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ عذابالاستئصال، و المراد من قوله:يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْعذاب القتل و الحرب، و الفرق بين البابينأن عذاب الاستئصال قد يتعدى إلى غيرالمذنب و إن كان في حقه سببا لمزيد الثواب،أما عذاب القتل فالظاهر أنه يبقى مقصوراعلى المذنب.
البحث الثالث:
احتج أصحابنا على قولهم بأنفعل العبد مخلوق للَّه تعالى بقوله:يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْفإن المراد من هذا التعذيب القتل و الأسرو ظاهر النص يدل على أن ذلك القتل و الأسرفعل اللَّه تعالى، إلا أنه تعالى يدخله فيالوجود على أيدي العباد، و هو صريح قولنا ومذهبنا أجاب الجبائي عنه فقال: لو جاز أنيقال إنه تعالى يعذب الكفار بأيديالمؤمنين لجاز أن يقال: إنه يعذب المؤمنينبأيدي الكافرين، و لجاز أن يقال إنه يكذبأنبياءه على ألسنة الكفار و يلعن المؤمنينعلى ألسنتهم، لأنه تعالى خالق لذلك، فلمالم يجز ذلك عند المجبرة، علم أنه تعالى لميخلق أعمال العباد و إنما نسب ما ذكرناهإلى نفسه على سبيل التوسع من حيث إنه حصلبأمره و ألطافه، كما يضيف جميع الطاعاتإليه بهذا التفسير، و أجاب أصحابنا عنهفقالوا: أما الذي ألزمتموه علينا فالأمركذلك إلا أنا لا نقوله باللسان، كما أنانعلم أنه تعالى هو الخالق لجميع الأجسامثم إنا لا نقول يا خالق الأبوال و العذرات،و يا مكون الخنافس و الديدان، فكذا ههنا وأيضا أنا توافقنا على أن الزنا