ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَآمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوالِلْمُشْرِكِينَ وَ لَوْ كانُوا أُولِيقُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْأَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (113) وَ ماكانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِإِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهاإِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُأَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَمِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌحَلِيمٌ (114)[في قوله تعالى ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا إلى قوله أَنَّهُمْأَصْحابُ الْجَحِيمِ]اعلم أنه تعالى لما بين من أول هذه السورةإلى هذا الموضع وجوب إظهار البراءة عنالكفار و المنافقين من جميع الوجوه بين فيهذه الآية أنه تجب البراءة عن أمواتهم، وإن كانوا في غاية القرب من الإنسان كالأب والأم، كما أوجبت البراءة عن أحيائهم، والمقصود منه بيان وجوب مقاطعتهم على أقصىالغايات و المنع من مواصلتهم بسبب منالأسبابو فيه مسائل:
المسألة الأولى: ذكروا في سبب نزول هذهالآية وجوها.
الأول: قال ابن عباس رضي اللّه عنهما: لمافتح اللّه تعالى مكة سأل النبي عليهالصلاة و السلام «أي أبويه أحدث به عهدا»قيل أمك، فذهب إلى قبرها و وقف دونه، ثمقعد عند رأسها و بكى فسأله عمر و قال:نهيتنا عن زيارة القبور و البكاء، ثم زرت وبكيت، فقال: قد أذن لي فيه، فلما علمت ما هيفيه من عذاب اللّه و إني لا أغني عنها مناللّه شيئا بكيت رحمة لها. الثاني: روي عنسعيد بن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أباطالب الوفاة قال له الرسول عليه الصلاة والسلام: «يا عم قل لا إله إلا اللّه أحاج لكبها عند اللّه» فقال أبو جهل و عبد اللّهبن أبي أمية أترغب عن ملة عبد المطلب. فقال:أنا على ملة عبد المطلب فقال عليه الصلاة والسلام: «لأستغفرن لك ما لم أنه عنك» فنزلتهذه الآية قوله: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْأَحْبَبْتَ قال الواحدي: و قد استبعدهالحسين بن الفضل لأن هذه السورة من آخرالقرآن نزولا، و وفاة أبي طالب كانت بمكةفي أول الإسلام، و أقول هذا الاستبعادعندي مستبعد، فأي بأس أن يقال إن النبيعليه الصلاة و السلام بقي يستغفر لأبيطالب من ذلك الوقت إلى وقت نزول هذه الآية،فإن التشديد مع الكفار إنما ظهر في هذهالسورة فلعل المؤمنين كان يجوز لهم أنيستغفروا لأبويهم من الكافرين، و كانالنبي عليه الصلاة و السلام أيضا يفعلذلك، ثم عند نزول هذه السورة منعهم اللّهمنه، فهذا غير مستبعد في الجملة.الثالث: يروى عن علي أنه سمع رجلا يستغفرلأبويه المشركين قال: فقلت له أتستغفرلأبويك و هما مشركان؟فقال: أليس قد استغفر إبراهيم لأبويه وهما مشركان فذكرت ذلك لرسول اللّه صلّىالله عليه وسلّم، فنزلت هذه الآية. الرابع: