المسألة الثانية: الأكثرون من المفسرينقالوا: ليس المراد من الأرباب أنهماعتقدوا فيهم أنهم آلهة العالم،
بل المراد أنهم أطاعوهم في أوامرهم ونواهيهم، نقل أن عدي بن حاتم كان نصرانيافانتهى إلى رسول اللّه صلّى الله عليهوسلّم، و هو يقرأ سورة براءة، فوصل إلى هذهالآية، قال: فقلت: لسنا نعبدهم فقال: «أليسيحرمون ما أحل اللّه فتحرمونه و يحلون ماحرم اللّه فتستحلونه» فقلت: بلى قال: «فتلكعبادتهم» و قال الربيع: قلت لأبي العاليةكيف كانت تلك الربوبية في بني إسرائيل؟فقال: إنهم ربما وجدوا في كتاب اللّه مايخالف أقوال الأحبار و الرهبان، فكانوايأخذون بأقوالهم و ما كانوا يقبلون حكمكتاب اللّه تعالى. قال شيخنا ومولاناخاتمة المحققين و المجتهدين رضي اللّهعنه: قد شاهدت جماعة من مقلدة الفقهاء،قرأت عليهم آيات كثيرة من كتاب اللّهتعالى في بعض المسائل، و كانت مذاهبهمبخلاف تلك الآيات، فلم يقبلوا تلك الآياتو لم يلتفتوا إليها و بقوا ينظرون إليكالمتعجب، يعني كيف يمكن العمل بظواهر هذهالآيات مع أن الرواية عن سلفنا وردت علىخلافها، و لو تأملت حق التأمل وجدت هذاالداء ساريا في عروق الأكثرين من أهلالدنيا.فإن قيل: إنه تعالى لما كفرهم بسبب أنهمأطاعوا الأحبار و الرهبان فالفاسق يطيعالشيطان فوجب الحكم بكفره، كما هو قولالخوارج.
و الجواب:
أن الفاسق، و إن كان يقبل دعوةالشيطان إلا أنه لا يعظمه لكن يلعنه، ويستخف به أما أولئك الأتباع كانوا يقبلونقول الأحبار و الرهبان و يعظمونهم، فظهرالفرق.
و القول الثاني:
في تفسير هذه الربوبية أنالجهال و الحشوية إذا بالغوا في تعظيمشيخهم و قدوتهم، فقد يميل طبعهم إلى القولبالحلول و الاتحاد، و ذلك الشيخ إذا كانطالبا للدنيا بعيدا عن الدين، فقد يلقىإليهم أن الأمر كما يقولون و يعتقدون، وشاهدت بعض المزورين ممن كان بعيدا عنالدين كان يأمر أتباعه و أصحابه بأنيسجدوا له، و كان يقول لهم أنتم عبيدي،فكان يلقي إليهم من حديث الحلول و الاتحادأشياء، و لو خلا ببعض الحمقى من أتباعه،فربما ادعى الإلهية، فإذا كان مشاهدا فيهذه الأمة، فكيف يبعد ثبوته في الأممالسالفة؟ و حاصل الكلام أن تلك الربوبيةيحتمل أن يكون المراد منها أنهم أطاعوهمفيما كانوا مخالفين فيه لحكم اللّه، و أنيكون المراد منها أنهم قبلوا أنواع الكفر،فكفروا باللَّه، فصار ذلك جاريا مجرى أنهماتخذوهم أربابا من دون اللّه، و يحتملأنهم أثبتوا في حقهم الحلول و الاتحاد. وكل هذه الوجوه الأربعة مشاهد و واقع في هذهالأمة.ثم قال تعالى: وَ ما أُمِرُوا إِلَّالِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداًو معناه ظاهر، و هو أن التوراة و الإنجيل والكتب الإلهية ناطقة بذلك.ثم قال: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُعَمَّا يُشْرِكُونَأي سبحانه من أن يكون له شريك في الأمر والتكليف، و أن يكون له شريك في كونه مسجوداو معبودا، و أن يكون له شريك في وجوب نهايةالتعظيم و الإجلال.