المسألة الثالثة: من الناس من قال إنالتخصيص بالعدد المعين، يدل على أن الحالفيما وراء ذلك العدد بخلافه،
و هو مذهب القائلين بدليل الخطاب. قالوا: والدليل عليه أنه لما نزل قوله تعالى: إِنْتَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةًفَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ قال عليهالسلام: «و اللّه لأزيدن على السبعين» و لمينصرف عنه حتى نزل قوله تعالى: سَواءٌعَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْلَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ [المنافقون: 6]الآية فكف عنهم.و لقائل أن يقول: هذا الاستدلال بالعكسأولى، لأنه تعالى لما بين للرسول عليهالسلام أنه لا يغفر لهم ألبتة. ثبت أنالحال فيما وراء العدد المذكور مساو للحالفي العدد المذكور، و ذلك يدل على أنالتقييد بالعدد لا يوجب أن يكون الحكمفيما وراءه بخلافه.
المسألة الرابعة: من الناس من قال: إنالرسول عليه السلام اشتغل بالاستغفارللقوم فمنعه اللّه منه،
و منهم من قال: إن المنافقين طلبوا منالرسول عليه الصلاة و السلام أن يستغفرلهم فاللّه تعالى نهاه عنه و النهي عنالشيء لا يدل على كون المنهي مقدما علىذلك الفعل، و إنما قلنا إنه عليه السلام مااشتغل بالاستغفار لهم لوجوه: الأول: أنالمنافق كافر، و قد ظهر في شرعه عليهالسلام أن الاستغفار للكافر لا يجوز. ولهذا السبب أمر اللّه رسوله بالاقتداءبإبراهيم عليه السلام إلا في قوله لأبيهلَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ [الممتحنة: 4] وإذا كان هذا مشهورا في الشرع فكيف يجوزالإقدام عليه؟ الثاني: أن استغفار الغيرللغير لا ينفعه إذا كان ذلك الغير مصرا علىالقبح و المعصية. الثالث: أن إقدامه علىالاستغفار للمنافقين يجري مجرى إغرائهمبالإقدام على الذنب.الرابع: أنه تعالى إذا كان لا يجيبه إليهبقي دعاء الرسول عليه السلام مردودا عنداللّه، و ذلك يوجب نقصان منصبه. الخامس: أنهذا الدعاء لو كان مقبولا من الرسول لكانقليله مثل كثيره في حصول الإجابة. فثبت أنالمقصود من هذا الكلام أن القوم لما طلبوامنه أن يستغفر لهم منعه اللّه منه، و ليسالمقصود من ذكر هذا العدد تحديد المنع، بلهو كما يقول القائل لمن سأله الحاجة: لوسألتني سبعين مرة لم أقضها لك، و لا يريدبذلك أنه إذا زاد قضاها فكذا ههنا، و الذييؤكد ذلك قوله تعالى في الآية: ذلِكَبِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ فبين أنالعلة التي لأجلها لا ينفعهم استغفارالرسول و إن بلغ سبعين مرة، كفرهم و فسقهم،و هذا المعنى قائم في الزيادة علىالسبعين، فصار هذا التعليل شاهدا بأنالمراد إزالة الطمع في أن ينفعهم استغفارالرسول عليه السلام مع إصرارهم على الكفر،و يؤكده أيضا قوله تعالى: وَ اللَّهُ لايَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ و المعنىأن فسقهم مانع من الهداية. فثبت أن الحق ماذكرناه.
المسألة الخامسة: قال المتأخرون من أهلالتفسير، السبعون عند العرب غاية مستقصاة
لأنه عبارة عن جمع السبعة عشر مرات، والسبعة عدد شريف لأن عدد السموات و الأرض والبحار و الأقاليم و النجوم و الأعضاء، هوهذا العدد. و قال بعضهم: هذا العدد إنما خصبالذكر ههنا لأنه روي أن النبي عليهالسلام كبر على حمزة سبعين تكبيرة، فكأنهقيل: إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَمَرَّةً بإزاء صلاتك على حمزة، و قيل:الأصل فيه قوله تعالى: كَمَثَلِ حَبَّةٍأَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّسُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ [البقرة: 261] وقال عليه السلام: «الحسنة