الحكم الثالث يدل على أن قولهم الذي صدرمنهم كفر في الحقيقة،
و إن كانوا منافقين من قبل و أن الكفر يمكنأن يتجدد من الكافر حالا فحالا.
الحكم الرابع يدل على أن الكفر إنما حدثبعد أن كانوا مؤمنين.
و لقائل أن يقول: القوم لما كانوا منافقينفكيف يصح وصفهم بذلك؟قلنا: قال الحسن: المراد كفرتم بعدإيمانكم الذي أظهرتموه، و قال آخرون: ظهركفركم للمؤمنين بعد أن كنتم عندهم مسلمين،و القولان متقاربان.ثم قال تعالى: إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍمِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً و فيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ عاصم إن نعف و نعذببالنون و كسر الذال،
و طائفة بالنصب و المعنى أنه تعالى حكى عننفسه أنه يقول إن يعف عن طائفة يعذب طائفةو الباقون بالياء وضمها، و فتح الفاء علىما لم يسم فاعله، إن يعف عن طائفةبالتذكير، و تعذب طائفة بالتأنيث، و حكىصاحب «الكشاف» عن مجاهد، إن تعف عن طائفةعلى البناء للمفعول مع التأنيث، ثم قال: والوجه التذكير لأن المسند إليه الظرف كماتقول سير بالدابة، و لا تقول سيرتبالدابة، و أما تأويل قراءته فهو أنمجاهدا لعله ذهب إلى أن المعنى كأنه قيل:إن ترحم طائفة فأنت كذلك، و هو غريب والجيد القراءة العامة إن يعف عن طائفةبالتذكير و تعذب طائفة بالتأنيث.
المسألة الثانية: ذكر المفسرون، أنالطائفتين كانوا ثلاثة،
استهزأ اثنان وضحك واحد، فالطائفة الأولىالضاحك، و الثانية الهازيان، و قالالمفسرون: لما كان ذنب الضاحك أخف لا جرمعفا اللّه عنه، و ذنب الهازيين أغلظ، فلاجرم ما عفا اللّه عنهما، قال القاضي: هذابعيد لأنه تعالى حكم على الطائفتينبالكفر، و أنه تعالى لا يعفو عن الكافر إلابعد التوبة و الرجوع إلى الإسلام، و أيضالا يعذب الكافر إلا بعد إصراره على الكفر،أما لو تاب عنه و رجع إلى الإسلام فإنه لايعذبه، فلما ذكر اللّه تعالى أنه يعفو عنطائفة و يعذب الأخرى، كان فيه إضمار أنالطائفة التي أخبر أنه يعفو عنهم تابوا عنالكفر و رجعوا إلى الإسلام، و أن الطائفةالتي أخبر أنه يعذبهم أصروا على الكفر و لميرجعوا إلى الإسلام، و لعل ذلك الواحد لمالم يبالغ في الطعن و لم يوافق القوم فيالذكر خف كفره، ثم إنه تعالى وفقه للإيمانو الخروج عن الكفر، و ذلك يدل على أن من خاضفي عمل باطل، فليجتهد في التقليل فإنهيرجى له ببركة ذلك التقليل أن يتوب اللّهعليه في الكل.
المسألة الثالثة: قالوا: ثبت بالروايات أنالطائفتين كانوا ثلاثة،
فوجب أن تكون إحدى الطائفتين إنساناواحدا. قال الزجاج: و الطائفة في اللغةأصلها الجماعة، لأنها المقدار الذييمكنها أن تطيف بالشيء ثم يجوز أن يسمىالواحد بالطائفة، قال تعالى: وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَالْمُؤْمِنِينَ [النور: 2] و أقله الواحد، وروى الفراء بإسناده عن ابن عباس رضي اللّهعنهما أنه قال: الطائفة الواحد فما فوقه، وفي جواز تسمية الشخص الواحد بالطائفةوجوه: الأول: أن من اختار مذهبا و نصره فإنهلا يزال يكون ذابا عنه ناصرا له، فكأنه