المسألة الثانية: قال الأكثرون لفظالمشركين يتناول عبدة الأوثان.
و قال قوم: بل يتناول جميع الكفار و قدسبقت هذه المسألة، و صححنا هذا القولبالدلائل الكثيرة، و الذي يفيد ههناالتمسك بقوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُأَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [النساء: 116] و معلومأنه باطل.
المسألة الثالثة: قال صاحب «الكشاف»:النجس مصدر نجس نجسا و قذر قذرا،
و معناه ذو نجس. و قال الليث: النجس الشيءالقذر من الناس و من كل شيء، و رجل نجس، وقوم أنجاس، و لغة أخرى رجل نجس و قوم نجس وفلان نجس و رجل نجس و امرأة نجس. و اختلفوافي تفسير كون المشرك نجساً نقل صاحب«الكشاف» عن ابن عباس أن أعيانهم نجسةكالكلاب و الخنازير، و عن الحسن من صافحمشركا توضأ، و هذا هو قول الهادي من أئمةالزيدية، و أما الفقهاء فقد اتفقوا علىطهارة أبدانهم.و اعلم أن ظاهر القرآن يدل على كونهمأنجاسا فلا يرجع عنه إلا بدليل منفصل، و لايمكن ادعاء الإجماع فيه لما بينا أنالاختلاف فيه حاصل. واحتج القاضي علىطهارتهم بما روي أن النبي صلّى الله عليهوسلّم شرب من أوانيهم، و أيضا لو كان جسمهنجسا لم يبدل ذلك بسبب الإسلام. و القائلونبالقول الأول أجابوا عنه: بأن القرآن أقوىمن خبر الواحد، و أيضا فبتقدير صحة الخبروجب أن يعتقد أن حل الشرب من أوانيهم كانمتقدما على نزول هذه الآية و بيانه منوجهين: الأول: أن هذه السورة من آخر ما نزلمن القرآن و أيضا كانت المخالطة مع الكفارجائزة فحرمها اللّه تعالى، و كانتالمعاهدات معهم حاصلة فأزالها اللّه، فلايبعد أن يقال أيضا الشرب من أوانيهم كانجائزا فحرمه اللّه تعالى. الثاني: أن الأصلحل الشرب من أي إناء كان، فلو قلنا: إنه حرمبحكم الآية ثم حل بحكم الخبر فقد حصلنسخان. أما إذا قلنا: إنه كان حلالا بحكمالأصل، و الرسول شرب من آنيتهم بحكمالأصل، ثم جاء التحريم بحكم هذه الآية لميحصل النسخ إلا مرة واحدة، فوجب أن يكونهذا أولى.أما قول القاضي: لو كان الكافر نجس الجسملما تبدلت النجاسة بالطهارة بسبب الإسلامفجوابه أنه قياس في معارضة النص الصريح، وأيضا أن أصحاب هذا المذهب يقولون إنالكافر إذا أسلم وجب عليه الاغتسال إزالةللنجاسة الحاصلة بحكم الكفر، فهذا تقريرهذا القول، و أما جمهور الفقهاء فإنهمحكموا بكون الكافر طاهرا في جسمه، ثماختلفوا في تأويل هذه الآية على وجوه:الأول: قال ابن عباس و قتادة: معناه أنهم لايغتسلون من الجنابة و لا يتوضون من الحدث.الثاني: المراد أنهم بمنزلة الشيء النجسفي وجوب النفرة عنه، الثالث: أن كفرهم الذيهو صفة لهم بمنزلة النجاسة الملتصقةبالشيء.و اعلم أن كل هذه الوجوه عدول عن الظاهربغير دليل.
المسألة الرابعة: قال أبو حنيفة و أصحابهرضي اللّه عنهم: أعضاء المحدث نجسة نجاسةحكمية
و بنوا عليه أن الماء المستعمل في الوضوءو الجنابة نجس. ثم روى أبو يوسف رحمه اللّهتعالى أنه نجس نجاسة خفيفة، و روى الحسن بنزياد: أنه نجس نجاسة غليظة، و روى محمد بنالحسن أن ذلك الماء طاهر.