قال الواحدي: السكن في اللغة ما سكنتإليه، و المعنى: أن صلاتك عليهم توجب سكوننفوسهم إليك، و للمفسرين عبارات: قال ابنعباس رضي اللّه عنهما: دعاؤك رحمة لهم. وقال قتادة: و قار لهم. و قال الكلبي:طمأنينة لهم، و قال الفراء: إذا استغفرتلهم سكنت نفوسهم إلى أن اللّه تعالى قبلتوبتهم. و أقول: إن روح محمد عليه السلامكانت روحا قوية مشرقة صافية باهرة، فإذادعا محمد لهم و ذكرهم بالخير فاضت آثار منقوته الروحانية على أرواحهم، فأشرقت بهذاالسبب أرواحهم وصفت أسرارهم، و انتقلوا منالظلمة إلى النور، و من الجسمانية إلىالروحانية، و تقريره ما تقدم في المسألةالخامسة.ثم قال: وَ اللَّهُ سَمِيعٌ لقولهم:عَلِيمٌ بنياتهم.
[سورة التوبة (9): آية 104]
أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَيَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَ أَنَّ اللَّهَهُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104)و اعلم أنه تعالى لما حكى عن القوم الذينتقدم ذكرهم أنهم تابوا عن ذنوبهم و أنهمتصدقوا و هناك لم يذكر إلا قوله: عَسَىاللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ و ما كانذلك صريحا في قبول التوبة ذكر في هذه الآيةأنه يقبل التوبة و أنه يأخذ الصدقات، والمقصود ترغيب من لم يتب في التوبة، وترغيب كل العصاة في الطاعة.و في الآية مسائل:
المسألة الأولى: قال أبو مسلم قوله: أَلَمْ يَعْلَمُوا و إن كان بصيغةالاستفهام، إلا أن المقصود منه التقرير فيالنفس،
و من عادة العرب في إيهام المخاطب و إزالةالشك عنه أن يقولوا: أما علمت أن من علمكيجب عليك خدمته. أما علمت أن من أحسن إليكيجب عليك شكره، فبشر اللّه تعالى هؤلاءالتائبين بقبول توبتهم و صدقاتهم.ثم زاده تأكيدا بقوله: هُوَ التَّوَّابُالرَّحِيمُ.
المسألة الثانية: قال صاحب «الكشاف»:قرىء أَ لَمْ يَعْلَمُوا بالياء والتاء،
و فيه وجهان: الأول: أن يكون المراد من هذهالآية هؤلاء الذين تابوا يعني أَ لَمْيَعْلَمُوا قبل أن يتاب عليهم و تقبلصدقاتهم، أن اللّه يقبل التوبة الصحيحة، ويقبل الصدقات الصادرة عن خلوص النية، والثاني: أن يكون المراد من هذه الآية غيرالتائبين ترغيبا لهم في التوبة. روي أنرسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم لما حكمبصحة توبتهم قال: «الذين لم يتوبوا هؤلاءالذين تابوا كانوا بالأمس معنا لا يكلمونو لا يجالسون فما لهم» فنزلت هذه الآية.