قوله: حَتَّى إِذا ضاقَتْعَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ قالالمفسرون: معناه: أن النبي عليه الصلاة والسلام صار معرضا عنهم و منع المؤمنين منمكالمتهم و أمر أزواجهم باعتزالهم و بقواعلى هذه الحالة خمسين يوما، و قيل: أكثر، ومعنى ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمارَحُبَتْ تقدم تفسيره في هذه السورة.
و الصفة الثانية:
قوله: وَ ضاقَتْعَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ و المراد ضيقصدورهم بسبب الهم و الغم و مجانبةالأولياء و الأحباء، و نظر الناس لهم بعينالإهانة.
الصفة الثالثة:
قوله: وَ ظَنُّوا أَنْ لامَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ويقرب معناه من قوله عليه الصلاة و السلامفي دعائه: «أعوذ برضاك من سخطك و أعوذبعفوك من غضبك و أعوذ بك منك» و من الناس منقال معنى قوله:وَ ظَنُّوا أي علموا كما في قوله:الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْمُلاقُوا رَبِّهِمْ [البقرة: 46] و الدليلعليه أنه تعالى ذكر هذا الوصف في حقهم فيمعرض المدح و الثناء، و لا يكون كذلك إلا وكانوا عالمين بأنه لا ملجأ من اللّه إلاإليه. و قال آخرون: وقف أمرهم على الوحي وهم ما كانوا قاطعين أن اللّه ينزل الوحيببراءتهم عن النفاق و لكنهم كانوا يجوزونأن تطول المدة في بقائهم في الشدة فالطعنعاد إلى تجويز كون تلك المدة قصيرة، و لماوصفهم اللّه بهذه الصفات الثلاث،قال: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ [إلى آخرالآية]و فيه مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أنه لا بد ههنا منإضمار.
و التقدير: حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بمارحبت و ضاقت عليهم أنفسهم و ظنوا أن لاملجأ من اللّه إلا إليه. تاب عليهم ثم تابعليهم، فما الفائدة في هذا التكرير؟قلنا: هذا التكرير حسن للتأكيد كما أنالسلطان إذا أراد أن يبالغ في تقرير العفولبعض عبيده يقول عفوت عنك ثم عفوت عنك.فإن قيل: فما معنى قوله: ثُمَّ تابَعَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا.قلنا فيه وجوه: الأول: قال أصحابناالمقصود منه بيان أن فعل العبد مخلوق للّهتعالى فقوله: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ يدلعلى أن التوبة فعل اللّه و قوله:لِيَتُوبُوا يدل على أنها فعل العبد، فهذاصريح قولنا، و نظيره