إما بلزومها و كثرة إتيانها يقال: فلانيعمر مجلس فلان إذا كثر غشيانه إياه، و إمابالعمارة المعروفة في البناء، فإن كانالمراد هو الثاني، كان المعنى أنه ليسللكافر أن يقدم على مرمة المساجد و إنما لميجز له ذلك لأن المسجد موضع العبادة فيجبأن يكون معظما و الكافر يهينه و لا يعظمه،و أيضا الكافر نجس في الحكم، لقوله تعالى:إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ [التوبة:28] و تطهير المساجد واجب لقوله تعالى: أَنْطَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ[البقرة: 125] و أيضا الكافر لا يحترز منالنجاسات، فدخوله في المسجد تلويثللمسجد، و ذلك قد يؤدي إلى فساد عبادةالمسلمين و أيضا إقدامه على مرمة المسجديجري مجرى الإنعام على المسلمين، و لايجوز أن يصير الكافر صاحب المنة علىالمسلمين.
المسألة الثالثة: قرأ ابن كثير و أبو عمروأن يعمروا مسجد اللَّه على الواحد، والباقون مَساجِدَ اللَّهِ على الجمع
حجة ابن كثير و أبي عمرو قوله: عِمارَةَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ [التوبة: 19] و حجةمن قرأ على لفظ الجمع وجوه: الأول: أن يرادالمسجد الحرام و إنما قيل: مَساجِدَ لأنهقبلة المساجد كلها و إمامها، فعامره كعامرجميع المساجد. و الثاني: أن يقال: ما كانَلِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوامَساجِدَ اللَّهِ معناه: ما كان للمشركينأن يعمروا شيئا من مساجد اللَّه، و إذا كانالأمر كذلك، فأولى أن لا يمكنوا من عمارةالمسجد الحرام الذي هو أشرف المساجد وأعظمها. الثالث: قال الفراء: العرب قديضعون الواحد مكان الجمع و الجمع مكانالواحد أما وضع الواحد مكان الجمع ففيقولهم فلان كثير الدرهم و أما وضع الجمعمكان الواحد ففي قولهم فلان يجالس الملوكمع أنه لا يجلس إلا مع ملك واحد. الرابع: أنالمسجد موضع السجود، فكل بقعة من المسجدالحرام فهي مسجد.
المسألة الرابعة: قال الواحدي: دلت على أنالكفار ممنوعون من عمارة مسجد من مساجدالمسلمين،
و لو أوصى بها لم تقبل وصيته و يمنع عندخول المساجد، و إن دخل بغير إذن مسلماستحق التعزير، و إن دخل بإذن لم يعزر، والأولى تعظيم المساجد، و منعهم منها، و قدأنزل رسول اللَّه صلّى الله عليه وسلّموفد ثقيف في المسجد، و هم كفار و شد ثمامةبن أثال الحنفي في سارية من سواري المسجدالحرام و هو كافر.أما قوله تعالى: شاهِدِينَ عَلىأَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِقال الزجاج: قوله: شاهِدِينَ حال و المعنىما كان لهم أن يعمروا المساجد حال كونهمشاهدين على أنفسهم بالكفر، و ذكروا فيتفسير هذه الشهادة وجوها:الأول: و هو الأصح أنهم أقروا على أنفسهمبعبادة الأوثان و تكذيب القرآن و إنكارنبوة محمد عليه الصلاة و السلام، و كل ذلككفر، فمن يشهد على نفسه بكل هذه الأشياءفقد شهد على نفسه بما هو كفر في نفس الأمر،و ليس المراد أنهم شهدوا على أنفسهم بأنهمكافرينالثاني: قال السدي: شهادتهم علىأنفسهم بالكفر، هو أن النصراني إذا قيل لهمن أنت فيقول: نصراني و اليهودي يقول يهوديو عابد الوثن يقول: أنا عابد الوثن، و هذاالوجه إنما يتقرر بما ذكرناه في الوجهالأول. الثالث: أن الغلاة منهم كانوايقولون كفرنا بدين محمد و بالقرآن فلعلالمراد ذلك. الرابع: أنهم كانوا يطوفونعراة يقولون لا نطوف عليها بثياب عصينااللَّه فيها، و كلما طافوا شوطا سجدواللأصنام، فهذا هو شهادتهم على أنفسهمبالشرك. الخامس: أنهم كانوا يقولون لبيك لاشريك لك إلا شريك هو لك تملكه و ما ملك.السادس: نقل عن ابن عباس: أنه قال: المرادأنهم يشهدون على الرسول بالكفر. قال: وإنما جاز هذا التفسير لقوله تعالى: لَقَدْجاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ