المسألة الثانية: اختلفوا في أن المدحالحاصل في هذه الآية هل يتناول جميعالصحابة أم يتناول بعضهم؟
فقال قوم: إنه يتناول الذين سبقوا فيالهجرة و النصرة، و على هذا فهو لا يتناولإلا قدماء الصحابة، لأن كلمة (من) تفيدالتبعيض، و منهم من قال: بل يتناول جميعالصحابة، لأن جملة الصحابة موصوفونبكونهم سابقين أولين بالنسبة إلى سائرالمسلمين، و كلمة (من) في قوله: مِنَالْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ ليستللتبعيض، بل للتبيين، أي و السابقونالأولون الموصوفون بوصف كونهم مهاجرين وأنصارا كما في قوله تعالى:فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَالْأَوْثانِ [الحج: 30] و كثير من الناسذهبوا إلى هذا القول، روي عن حميد بن زيادأنه قال: قلت يوما لمحمد بن كعب القرظي ألاتخبرني عن أصحاب الرسول عليه السلام فيماكان بينهم، و أردت الفتن، فقال لي: إناللّه تعالى قد غفر لجميعهم، و أوجب لهمالجنة في كتابه، محسنهم و مسيئهم، قلت له:و في أي موضع أوجب لهم الجنة؟ قال: سبحاناللّه! ألا تقرأ قوله تعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَالْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ إلى آخرالآية؟ فأوجب اللّه لجميع أصحاب النبيعليه السلام الجنة و الرضوان، و شرط علىالتابعين شرطا شرطه عليهم. قلت: و ما ذاكالشرط؟ قال: اشترط عليهم أن يتبعوهمبإحسان في العمل، و هو أن يقتدوا بهم فيأعمالهم الحسنة، و لا يقتدوا بهم في غيرذلك، أو يقال: المراد أن يتبعوهم بإحسان فيالقول، و هو أن لا يقولوا فيهم سوءا، و أنلا يوجهوا الطعن فيما أقدموا عليه. قالحميد بن زياد: فكأني ما قرأت هذه الآية قط!.
المسألة الثالثة: روي أن عمر بن الخطابرضي اللّه عنه كان يقرأ و السابقونالأولون من المهاجرين و الأنصار الذيناتبعوهم بإحسان
فكان يعطف قوله: الْأَنْصارِ على قوله: وَالسَّابِقُونَ و كان يحذف الواو من قوله:وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ ويجعله وصفا للأنصار، و روي أن عمر رضياللّه عنه كان يقرأ هذه الآية على هذاالوجه. قال أبي: و اللّه لقد أقرأنيها رسولاللّه صلّى الله عليه وسلّم على هذاالوجه، و إنك لتبيع القرظ يومئذ ببقيعالمدينة، فقال عمر رضي اللّه عنه: صدقت،شهدتهم و غبنا، و فرغتم و شغلنا، و لئن شئتلتقولن نحن أوينا