[سورة التوبة (9): الآيات 81 الى 82]
فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْخِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَ كَرِهُوا أَنْيُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْنارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْكانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُواقَلِيلاً وَ لْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءًبِما كانُوا يَكْسِبُونَ (82)اعلم أن هذا نوع آخر من قبائح أعمالالمنافقين، و هو فرحهم بالعقود و كراهتهمالجهاد قال ابن عباس رضي اللّه عنهما: يريدالمنافقين الذين تخلفوا عن رسول اللّهصلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك، والمخلف المتروك ممن مضى.فإن قيل: إنهم احتالوا حتى تخلفوا، فكانالأولى أن يقال فرح المتخلفون.و الجواب من وجوه: الأول: أن الرسول عليهالسلام منع أقواما من الخروج معه لعلمهبأنهم يفسدون و يشوشون، فهؤلاء كانوامخلفين لا متخلفين. و الثاني: أن أولئكالمتخلفين صاروا مخلفين في الآية التيتأتي بعد هذه الآية، و هي قوله: فَإِنْرَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍمِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِفَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداًوَ لَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا[التوبة: 83] فلما منعهم اللّه تعالى منالخروج معه صاروا بهذا السبب مخلفين.الثالث: أن من يتخلف عن الرسول عليه السلامبعد خروجه إلى الجهاد مع المؤمنين يوصفبأنه مخلف من حيث لم ينهض فبقي و أقام. وقوله: بِمَقْعَدِهِمْ قال ابن عباس رضياللّه عنهما: يريد المدينة، فعلى هذاالمقعد اسم للمكان. و قال مقاتل:بِمَقْعَدِهِمْ بقعودهم و على هذا، هو اسمللمصدر. و قوله: خِلافَ رَسُولِ اللَّهِفيه قولان: الأول: و هو قول قطرب و المؤرج والزجاج، يعني مخالفة لرسول اللّه حين سارو أقاموا. قالوا: و هو منصوب لأنه مفعول له،و المعنى بأن قعدوا لمخالفة رسول اللّهصلّى الله عليه وسلّم. و الثاني: قالالأخفش: إن خِلافَ بمعنى خلف، و أن يونسرواه عن عيسى بن عمر و معناه بعد رسولاللّه، و يقوي هذا الوجه قراءة من قرأ خلفرسول اللّه و على هذا القول، الخلاف اسمللجهة المعينة كالخلف، و السبب فيه أنالإنسان متوجه إلى قدامه فجهة خلفه مخالفةلجهة قدامه في كونها جهة متوجها إليها، وخلاف بمعنى خلف مستعمل أنشد أبو عبيدةللأحوص:
عقب الربيع خلافهم فكأنما
بسط الشواطببينهن حصيرا
بسط الشواطببينهن حصيرا
بسط الشواطببينهن حصيرا