و التقدير: لقد تاب اللّه على النبي والمهاجرين و الأنصار الذين اتبعوه في ساعةالعسرة و على الثلاثة الذين خلفوا، والفائدة في هذا العطف أنا بينا أن من ضمذكر توبته إلى توبة النبي عليه الصلاة والسلام، كان ذلك دليلا على تعظيمه وإجلاله، و هذا العطف يوجب أن يكون قبولتوبة النبي عليه الصلاة و السلام و توبةالمهاجرين و الأنصار في حكم واحد، و ذلكيوجب إعلاء شأنهم و كونهم مستحقين لذلك.
المسألة الثانية: إن هؤلاء الثلاثة همالمذكورون في قوله تعالى: وَ آخَرُونَمُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ
و اختلفوا في السبب الذي لأجله وصفوابكونهم مخلفين و ذكروا وجوها: أحدها: أنهليس المراد أن هؤلاء أمروا بالتخلف، أوحصل الرضا من الرسول عليه الصلاة و السلامبذلك، بل هو كقولك لصاحبك أين خلفت فلانافيقول: بموضع كذا لا يريد به أنه أمرهبالتخلف بل لعله نهاه عنه و إنما يريد أنهتخلف عنه. و ثانيها: لا يمتنع أن هؤلاءالثلاثة كانوا على عزيمة الذهاب إلى الغزوفأذن لهم الرسول عليه الصلاة و السلام قدرما يحصل الآلات و الأدوات فلما بقوا مدةظهر التوانى و الكسل فصح أن يقال: خلفهمالرسول. و ثالثها: أنه حكى قصة أقوام و همالمرادون بقوله: وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَلِأَمْرِ اللَّهِ فالمراد من كون هؤلاءمخلفين كونهم مؤخرين في قبول التوبة عنالطائفة الأولى. قال كعب بن مالك و هو أحدهؤلاء الثلاثة: قول اللّه تعالى في حقنا:وَ عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَخُلِّفُوا ليس من تخلفنا إنما هو تأخيررسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أمرناليشير به إلى قوله: وَ آخَرُونَمُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ.
المسألة الثالثة: قال صاحب «الكشاف»:قرىء خُلِّفُوا أى خلفوا الغازينبالمدينة،
أى صاروا خلفاء للذين ذهبوا إلى الغزو وفسدوا من الخالفة و خلوف الفم، و قرأ جعفرالصادق خالفوا و قرأ الأعمش و على الثلاثةالمخلفين.
المسألة الرابعة: هؤلاء الثلاثة هم كعب بنمالك الشاعر، و هلال بن أمية الذي نزلت فيهآية اللعان، و مرارة بن الربيع،
و للناس في هذه القصة قولان:
القول الأول:
أنهم ذهبوا خلف الرسول عليهالصلاة و السلام، قال الحسن: كان لأحدهمأرض ثمنها مائة ألف درهم فقال: يا أرضاه ماخلفني عن رسول اللّه إلا أمرك، إذهبي فأنتفي سبيل اللّه فلأكابدن المفاوز حتى أصلإلى النبي صلّى الله عليه وسلّم و فعل، وكانللثاني: أهل فقال: يا أهلاه ما خلفنيعن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم إلاأمرك فلأكابدن المفاوز حتى أصل إليه وفعل، و الثالث: ما كان له مال و لا أهل فقال:مالي سبب إلا الضن بالحياة و اللّهلأكابدن المفاوز حتى أصل إلى رسول اللّهصلّى الله عليه وسلّم فلحقوا بالرسول صلّىالله عليه وسلّم فأنزل اللّه تعالى وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ.
و القول الثاني:
و هو قول الأكثرين أنهم ماذهبوا خلف الرسول عليه الصلاة و السلامقال كعب: كان رسول اللّه صلّى الله عليهوسلّم يحب حديثي فلما أبطأت عنه في الخروجقال عليه الصلاة و السلام: «ما الذي حبسكعبا» فلما