الْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُبَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَبِالْمُنْكَرِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِالْمَعْرُوفِ وَ يَقْبِضُونَأَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَفَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُالْفاسِقُونَ (67)اعلم أن هذا شرح نوع آخر من أنواع فضائحهمو قبائحهم، و المقصود بيان أن إناثهمكذكورهم في تلك الأعمال المنكرة و الأفعالالخبيثة، فقال: الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ أيفي صفة النفاق، كما يقول الإنسان: أنت منيو أنا منك، أي أمرنا واحد لا مباينة فيه ولما ذكر هذا الكلام ذكر تفصيله فقال:يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ و لفظ المنكريدخل فيه كل قبيح، إلا أن الأعظم ههناتكذيب الرسول وَ يَنْهَوْنَ عَنِالْمَعْرُوفِ و لفظ المعروف يدخل فيه كلحسن إلا أن الأعظم ههنا الإيمان بالرسولصلّى الله عليه وسلّم و يقبضون أيديهم،قيل من كل خير، و قيل عن كل خير واجب منزكاة و صدقة و إنفاق في سبيل اللّه و هذاأقرب لأنه تعالى لا يذمهم إلا بترك الواجبو يدخل فيه ترك الإنفاق في الجهاد، و نبهبذلك على تخلفهم عن الجهاد، و الأصل في هذاأن المعطي يمد يده و يبسطها بالعطاء. فقيللمن منع و بخل قد قبض يده.ثم قال: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ واعلم أن هذا الكلام لا يمكن إجراؤه علىظاهره لأنا لو حملناه على النسيان علىالحقيقة لما استحقوا عليه ذما، لأنالنسيان ليس في وسع البشر، و أيضا فهو فيحق اللّه تعالى محال فلا بد من التأويل، وهو من وجهين: الأول: معناه أنهم تركوا أمرهحتى صار بمنزلة المنسي، فجازاهم بأن صيرهمبمنزلة المنسي من ثوابه و رحمته، و جاء هذاعلى أوجه الكلام كقوله: وَ جَزاءُسَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها [الشورى: 40]الثاني: النسيان ضد الذكر، فلما تركوا ذكراللّه بالعبادة و الثناء على اللّه، تركاللّه ذكرهم بالرحمة و الإحسان، و إنماحسن جعل النسيان كناية عن ترك الذكر لأن مننسي شيئا لم يذكره، فجعل اسم الملزومكناية عن اللازم.ثم قال: إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُالْفاسِقُونَ أي هم الكاملون في الفسق. واللّه أعلم.