المسألة الأولى: لقائل أن يقول: إن كلمة«إما» و «أما» للشك، و اللّه تعالى منزهعنه.
و جوابه المراد منه ليكن أمرهم على الخوفو الرجاء، فجعل أناس يقولون هلكوا إذا لمينزل اللّه تعالى لهم عذرا، و آخرونيقولون عسى اللّه أن يغفر لهم.
المسألة الثانية: لا شك أن القوم كانوانادمين على تأخرهم عن الغزو و تخلفهم عنالرسول عليه السلام،
ثم إنه تعالى لم يحكم بكونهم تائبين بلقال: إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَ إِمَّايَتُوبُ عَلَيْهِمْ و ذلك يدل على أنالندم وحده لا يكون كافيا في صحة التوبة.فإن قيل: فما تلك الشرائط؟ قلنا: لعلهمخافوا من أمر الرسول بإيذائهم أو خافوا منالخجلة و الفضيحة، و على هذا التقديرفتوبتهم غير صحيحة و لا مقبولة، فاستمرعدم قبول التوبة إلى أن سهل أحوال الخلق فيقدحهم و مدحهم عندهم، فعند ذلك ندموا علىالمعصية لنفس كونها معصية، و عند ذلك صحتتوبتهم.
المسألة الثالثة: احتج الجبائي بهذهالآية على أنه تعالى لا يعفو عن غيرالتائب،
و ذلك لأنه قال في حق هؤلاء المذنبينإِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَ إِمَّا يَتُوبُعَلَيْهِمْ و ذلك يدل على أنه لا حكم إلاأحد هذين الأمرين، و هو إما التعذيب و إماالتوبة، و أما العفو عن الذنب من غيرالتوبة، فهو قسم ثالث. فلما أهمل اللّهتعالى ذكره دل على أنه باطل و غير معتبر.و الجواب: أنا لا نقطع بحصول العفو عن جميعالمذنبين، بل نقطع بحصول العفو في الجملة،و أما في حق كل واحد بعينه، فذلك مشكوك فيه.ألا ترى أنه تعالى قال: وَ يَغْفِرُ مادُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ فقطع بغفران ماسوى الشرك، لكن لا في حق كل أحد، بل في حقمن يشاء. فلم يلزم من عدم العفو في حقهؤلاء، عدم العفو على الإطلاق. و أيضا فعدمالذكر لا يدل على العدم، ألا ترى أنه تعالىقال: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ [عبس: 38، 39] و همالمؤمنون وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهاغَبَرَةٌ تَرْهَقُها قَتَرَةٌ أُولئِكَهُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ [عبس: 40، 41]فههنا المذكورون، إما المؤمنون، و إماالكافرون، ثم إن عدم ذكر القسم الثالث، لميدل عند الجبائي على نفيه، فكذا ههنا.و أما قوله تعالى: وَ اللَّهُ عَلِيمٌحَكِيمٌأي عليم بما في قلوب هؤلاء المؤمنين حكيمفيما يحكم فيهم و يقضي عليهم.