[سورة التوبة (9): آية 16] - مفاتیح الشرائع جلد 16
لطفا منتظر باشید ...
و اعلم أن وصف اللَّه لهم بذلك لا ينفيكونهم موصوفين بالرحمة و الرأفة، فإنهتعالى قال في صفتهم أَذِلَّةٍ عَلَىالْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَىالْكافِرِينَ [المائدة: 54] و قال أيضا:أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُبَيْنَهُمْ [الفتح: 29].ثم قال: وَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْيَشاءُقال الفراء و الزجاج: هذا مذكور على سبيلالاستئناف و لا يمكن أن يكون جوابا لقوله:قاتِلُوهُمْ لأن قوله: وَ يَتُوبُ اللَّهُعَلى مَنْ يَشاءُ لا يمكن جعله جزاءلمقاتلتهم مع الكفار. قالوا و نظيره:فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلىقَلْبِكَ [الشورى: 24] و تم الكلام ههنا، ثماستأنف فقال:وَ يَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ [الشورى: 24] ومن الناس من قال يمكن جعل هذه التوبة جزاءلتلك المقاتلة، و بيانه من وجوه: الأول:أنه تعالى لما أمرهم بالمقاتلة، فربما شقذلك على بعضهم على ما ذهب إليه الأصم، فإذاأقدموا على المقاتلة صار ذلك العمل جاريامجرى التوبة عن تلك الكراهية. الثاني: أنحصول النصرة و الظفر إنعام عظيم، و العبدإذا شاهد توالي نعم اللَّه لم يبعد أن يصيرذلك داعيا له إلى التوبة من جميع الذنوب،الثالث: أنه إذا حصل النصر و الظفر و الفتحو كثرت الأموال و النعم و كانت لذاته تطلببالطريق الحرام، فإن عند حصول المال والجاه يمكن تحصيلها بطريق حلال، فيصيركثرة المال و الجاه داعيا إلى التوبة منهذه الوجوه. الرابع:قال بعضهم إن النفس شديدة الميل إلىالدنيا و لذاتها، فإذا انفتحت أبوابالدنيا على الإنسان و أراد اللَّه به خيراعرف أن لذاتها حقيرة يسيرة، فحينئذ تصيرالدنيا حقيرة في عينه، فيصير ذلك سببالانقباض النفس عن الدنيا، و هذا هو أحدالوجوه المذكورة في تفسير قوله تعالىحكاية عن سليمان عليه السلام: هَبْ لِيمُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْبَعْدِي [ص: 35] يعني أن بعد حصول هذا الملكلا يبقى للنفس اشتغال بطلب الدنيا، ثميعرف أن عند حصول هذا الملك الذي هو أعظمالممالك لا حاصل للدنيا و لا فائدة فيلذاتها و شهواتها، فحينئذ يعرض القلب عنالدنيا و لا يقيم لها وزنا، فثبت أن حصولالمقاتلة يفضي إلى المنافع الخمسةالمذكورة و تلك المنافع حصولها يوجبالتوبة، فكانت التوبة متعلقة بتلكالمقاتلة، و إنما قال: عَلى مَنْ يَشاءُلأن وجدان الدنيا و انفتاح أبوابها علىالإنسان قد يصير سببا لانقباض القلب عنالدنيا و ذلك في حق من أراد به الخير، و قديصير سببا لاستغراق الإنسان فيها و تهالكهعليها و انقطاعه بسببها عن سبيل اللَّه،فلما اختلف الأمر على الوجه الذي ذكرناهقال: وَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْيَشاءُ.ثم قال: وَ اللَّهُ عَلِيمٌ أي بكل ما يعملو يفعل في ملكه و ملكوته حَكِيمٌ مصيب فيأحكامه و أفعاله.[سورة التوبة (9): آية 16]
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَجاهَدُوا مِنْكُمْ وَ لَمْ يَتَّخِذُوامِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لا رَسُولِهِ وَ لاالْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَ اللَّهُخَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (16)اعلم أن الآيات المتقدمة كانت مرغبة فيالجهاد، و المقصود من هذه الآية مزيد بيانفي الترغيب،و فيه مسائل:المسألة الأولى: قال الفراء: قوله: أَمْ منالاستفهام الذي يتوسط الكلام،
ولو أريد به الابتداء لكان بالألف أو بها.المسألة الثانية: قال أبو عبيدة: كل شيءأدخلته في شيء ليس منه فهو وليجة
و أصله من الولوج فالداخل