فالأول و الثاني هم الفقراء و المساكين،و لا شك أنهم هم المحتاجون الذي لا يفيخرجهم بدخلهم. ثم اختلفوا فقال بعضهم: الذييكون أشد حاجة هو الفقير، و هو قول الشافعيرحمه اللّه و أصحابه. و قال آخرون: الذي أشدحاجة هو المسكين، و هو قول أبي حنيفة وأصحابه رحمهم اللّه، و من الناس من قال: لافرق بين الفقراء و المساكين، و اللّهتعالى وصفهم بهذين الوصفين، و المقصودشيء واحد و هو قول أبي يوسف و محمد رحمهمااللّه، و اختيار أبي علي الجبائي، وفائدته تظهر في هذه المسألة، و هو أنه لوأوصى لفلان و للفقراء و المساكين، فالذينقالوا: الفقراء غير المساكين قالوا لفلانالثلث، و الذين قالوا: الفقراء همالمساكين قالوا الفلان النصف. و قالالجبائي: إنه تعالى ذكرهم باسمين لتوكيدأمرهم في الصدقات لأنهم هم الأصول فيالأصناف الثمانية. و أيضا الفائدة فيه أنيصرف إليهم من الصدقات سهمان لا كسائرهم.و اعلم أن فائدة هذا الاختلاف لا تظهر فيتفرقة الصدقات و إنما تظهر في الوصايا، وهو أن رجلا لو قال:أوصيت للفقراء بمائتين و للمساكينبخمسين، وجب دفع المائتين عند الشافعيرحمه اللّه من كان أشد حاجة، و عند أبيحنيفة رحمه اللّه إلى من كان أقل حاجة،و حجة الشافعي رحمه اللّه وجوه:
الوجه الأول:
أنه تعالى إنما أثبت الصدقاتلهولاء الأصناف دفعا لحاجتهم و تحصيلالمصلحتهم،و هذا يدل على أن الذي وقع الابتداء بذكرهيكون أشد حاجة، لأن الظاهر وجوب تقديمالأهم على المهم ألا ترى أنه يقال: أبو بكرو عمر و من فضل عثمان على علي عليه السلامقال في ذكرهما عثمان و علي، و من فضل علياعلى عثمان يقول علي و عثمان، و أنشد عمرقول الشاعر:كفى الشيب و الإسلام للمرء ناهيا