اللحاق بهم، فقال كعب: بلغ من خطيئتي أنطمع في المشركون، قال: فضاقت عليّ الأرضبما رحبت.
و بكى هلال بن أمية حتى خيف على بصره، فلمامضى خمسون يوما نزلت توبتهم بقوله: لَقَدْتابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ [التوبة:117] و بقوله تعالى: وَ عَلَى الثَّلاثَةِالَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْعَلَيْهِمُ الْأَرْضُ [التوبة:
118] الآية. و قال الحسن: يعني بقوله: وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِقوما من المنافقين أرجأهم رسول اللّه عنحضرته. و قال الأصم: يعني المنافقين و هومثل قوله: وَ مِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَالْأَعْرابِ مُنافِقُونَ أرجأهم اللّهفلم يخبر عنهم ما علمه منهم و حذرهم بهذهالآية إن لم يتوبوا أن ينزل فيهم قرآنا.
فقال اللّه تعالى: إِمَّا يُعَذِّبُهُمْوَ إِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ و فيهمسائل:
و جوابه المراد منه ليكن أمرهم على الخوفو الرجاء، فجعل أناس يقولون هلكوا إذا لمينزل اللّه تعالى لهم عذرا، و آخرونيقولون عسى اللّه أن يغفر لهم.
ثم إنه تعالى لم يحكم بكونهم تائبين بلقال: إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَ إِمَّايَتُوبُ عَلَيْهِمْ و ذلك يدل على أنالندم وحده لا يكون كافيا في صحة التوبة.
فإن قيل: فما تلك الشرائط؟ قلنا: لعلهمخافوا من أمر الرسول بإيذائهم أو خافوا منالخجلة و الفضيحة، و على هذا التقديرفتوبتهم غير صحيحة و لا مقبولة، فاستمرعدم قبول التوبة إلى أن سهل أحوال الخلق فيقدحهم و مدحهم عندهم، فعند ذلك ندموا علىالمعصية لنفس كونها معصية، و عند ذلك صحتتوبتهم.
و ذلك لأنه قال في حق هؤلاء المذنبينإِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَ إِمَّا يَتُوبُعَلَيْهِمْ و ذلك يدل على أنه لا حكم إلاأحد هذين الأمرين، و هو إما التعذيب و إماالتوبة، و أما العفو عن الذنب من غيرالتوبة، فهو قسم ثالث. فلما أهمل اللّهتعالى ذكره دل على أنه باطل و غير معتبر.
و الجواب: أنا لا نقطع بحصول العفو عن جميعالمذنبين، بل نقطع بحصول العفو في الجملة،و أما في حق كل واحد بعينه، فذلك مشكوك فيه.ألا ترى أنه تعالى قال: وَ يَغْفِرُ مادُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ فقطع بغفران ماسوى الشرك، لكن لا في حق كل أحد، بل في حقمن يشاء. فلم يلزم من عدم العفو في حقهؤلاء، عدم العفو على الإطلاق. و أيضا فعدمالذكر لا يدل على العدم، ألا ترى أنه تعالىقال: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ [عبس: 38، 39] و همالمؤمنون وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهاغَبَرَةٌ تَرْهَقُها قَتَرَةٌ أُولئِكَهُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ [عبس: 40، 41]فههنا المذكورون، إما المؤمنون، و إماالكافرون، ثم إن عدم ذكر القسم الثالث، لميدل عند الجبائي على نفيه، فكذا ههنا.
و أما قوله تعالى: وَ اللَّهُ عَلِيمٌحَكِيمٌ
أي عليم بما في قلوب هؤلاء المؤمنين حكيمفيما يحكم فيهم و يقضي عليهم.