أن هذا الوعد الذي وعدهللمجاهدين في سبيل اللّه وعد ثابت، فقدأثبته اللّه في التوراة و الإنجيل كماأثبته في القرآن.
المراد أن اللّه تعالىبين في التوراة و الإنجيل أنه اشترى من أمةمحمد عليه الصلاة و السلام أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، كما بين في القرآن.
أن الأمر بالقتال والجهاد هو موجود في جميع الشرائع.
ثم قال تعالى: وَ مَنْ أَوْفىبِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ
و المعني: أن نقض العهد كذب. و أيضا أنه مكرو خديعة، و كل ذلك من القبائح، و هي قبيحةمن الإنسان مع احتياجه إليها، فالغني عنكل الحاجات أولى أن يكون منزها عنها. وقوله: وَ مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِاستفهام بمعنى الإنكار، أي لا أحد أوفىبما وعد من اللّه.
ثم قال: فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُالَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَ ذلِكَ هُوَالْفَوْزُ الْعَظِيمُ
و اعلم أن هذه الآية مشتملة على أنواع منالتأكيدات: فأولها: قوله: إِنَّ اللَّهَاشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَأَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ فيكونالمشتري هو اللّه المقدس عن الكذب والخيانة، و ذلك من أدل الدلائل على تأكيدهذا العهد. و الثاني: أنه عبر عن إيصال هذاالثواب بالبيع و الشراء، و ذلك حق مؤكد. وثالثها: قوله: وَعْداً و وعد اللّه حق. ورابعها: قوله: عَلَيْهِ و كلمة «على»للوجوب. و خامسها: قوله: حَقًّا و هوالتأكيد للتحقيق. و سادسها: قوله: فِيالتَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ و ذلك يجري مجرى إشهاد جميعالكتب الإلهية و جميع الأنبياء و الرسلعلى هذه المبايعة.
و سابعها: قوله: وَ مَنْ أَوْفىبِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ و هو غاية فيالتأكيد. و ثامنها: قوله: فَاسْتَبْشِرُوابِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وهو أيضا مبالغة في التأكيد. و تاسعها: قوله:وَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ و عاشرها: قوله:الْعَظِيمُ فثبت اشتمال هذه الآية على هذهالوجوه العشرة في التأكيد و التقرير والتحقيق. و نختم الآية بخاتمة و هي أن أباالقاسم البلخي استدل بهذه الآية على أنهلا بد من حصول الأعواض عن آلام الأطفال والبهائم. قال لأن الآية دلت على أنه لايجوز إيصال ألم القتل و أخذ الأموال إلىالبالغين إلا بثمن هو الجنة، فلا جرم قال:إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَالْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَفوجب أن يكون الحال كذلك في الأطفال والبهائم، و لو جاز عليهم التمني لتمنوا أنآلامهم تتضاعف حتى تحصل لهم تلك الأعواضالرفيعة الشريفة، و نحن نقول: لا ننكر حصولالخيرات للأطفال و الحيوانات في مقابلةهذه الآلام، و إنما الخلاف وقع في أن ذلكالعوض عندنا غير واجب، و عندكم واجب، والآية ساكتة عن بيان الوجوب.
التَّائِبُونَ الْعابِدُونَالْحامِدُونَ السَّائِحُونَالرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَالْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112)
اعلم أنه تعالى لما ذكر في الآية الأولىأنه اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَأَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّلَهُمُ الْجَنَّةَ بين في هذه الآية أنأولئك المؤمنين هم الموصوفون بهذه الصفاتالتسعة.
و فيه مسألتان:
الأول: أنه رفع على المدح، و التقدير: همالتائبون، يعني المؤمنين المذكورين فيقوله: اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَأَنْفُسَهُمْ هم