أنه تعالى أضاف الأنفسو الأموال إليهمفوجب أن كون الأنفس و الأموال مضافة إليهميوجب أمرين مغايرين لهم، و الأمر في نفسهكذلك، لأن الإنسان عبارة عن الجوهر الأصليالباقي، و هذا البدن يجري مجرى الآلة والأدوات و المركب، و كذلك المال خلق وسيلةإلى رعاية مصالح هذا المركب، فالحق سبحانهاشترى من الإنسان هذا المركب و هذا المالبالجنة، و هو التحقيق. لأن الإنسان ما داميبقى متعلق القلب بمصالح عالم الجسمالمتغير المتبدل، و هو البدن و المال،امتنع وصوله إلى السعادات العالية والدرجات الشريفة، فإذا انقطع التفاتهإليها و بلغ ذلك الانقطاع إلى أن عرض البدنللقتل، و المال للإنفاق في طلب رضواناللّه، فقد بلغ إلى حيث رجح الهدى علىالهوى، و المولى على الدنيا، و الآخرة علىالأولى، فعند هذا يكون من السعداء الأبرارو الأفاضل الأخيار، فالبائع هو جوهر الروحالقدسية و المشتري هو اللّه، و أحدالعوضين الجسد البالي و المال الفاني، والعوض الثاني الجنة الباقية و السعاداتالدائمة، فالربح حاصل و الهم و الغم زائل،و لهذا قال: فَاسْتَبْشِرُوابِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ.ثم قال: يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِفَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَقال صاحب «الكشاف»: قوله: يُقاتِلُونَ فيهمعنى الأمر كقوله: تُجاهِدُونَ فِيسَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ و قيل جعل يُقاتِلُونَكالتفسير لتلك المبايعة، و كالأمر اللازملها. قرأ حمزة و الكسائي بتقديم المفعولعلى الفاعل و هو كونهم مقتولين على كونهمقاتلين، و الباقون بتقديم الفاعل علىالمفعول. أما تقديم الفاعل على المفعولفظاهر، لأن المعنى أنهم يقتلون الكفار ولا يرجعون عنهم إلى أن يصيروا مقتولين. وأما تقديم المفعول على الفاعل، فالمعنى:أن طائفة كبيرة من المسلمين، و إن صاروامقتولين لم يصر ذلك رادعا للباقين عنالمقاتلة، بل يبقون بعد ذلك مقاتلين معالأعداء. قاتلين لهم بقدر الإمكان، و هوكقوله: فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِيسَبِيلِ اللَّهِ [آل عمران: 146] أي ما وهن منبقي منهم. و اختلفوا في أنه هل دخل تحت هذهالآية مجاهدة الأعداء بالحجة و الأمربالمعروف و النهي عن المنكر أم لا؟ فمنهممن قال: هو مختص بالجهاد بالمقاتلة، لأنهتعالى فسر تلك المبايعة بالمقاتلة بقوله:يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِفَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ و منهم منقال: كل أنواع الجهاد داخل فيه، بدليلالخبر الذي رويناه عن عبد اللّه بن رواحة.و أيضا فالجهاد بالحجة و الدعوة إلى دلائلالتوحيد أكمل آثارا من القتال، و لذلك قالصلّى الله عليه وسلّم لعلي رضي اللّه عنه:«لأن يهدي اللّه على يدك رجلا خير لك مماطلعت عليه الشمس» و لأن الجهاد بالمقاتلةلا يحسن أثرها إلا بعد تقديم الجهادبالحجة. و أما الجهاد بالحجة فإنه غني عنالجهاد بالمقاتلة.و الأنفس جوهرها جوهر شريف خصه اللّهتعالى بمزيد الإكرام في هذا العالم، و لافساد في ذاته، إنما الفساد في الصفةالقائمة به، و هي الكفر و الجهل. و متى أمكنإزالة الصفة الفاسدة، مع إبقاء الذات والجوهر كان أولى.ألا ترى أن جلد الميتة لما كان منتفعا بهمن بعض الوجوه، لا جرم حث الشرع علىإبقائه، فقال: «هلا أخذتم إهابها فدبغتموهفانتفعتم به» فالجهاد بالحجة يجري مجرىالدباغة، و هو إبقاء الذات مع إزالة الصفةالفاسدة، و الجهاد بالمقاتلة يجري مجرىإفناء الذات، فكان المقام الأول أولى وأفضل.ثم قال تعالى: وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّافِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِقال الزجاج: نصب وَعْداً على المعنى، لأنمعنى قوله: بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ أنهوعدهم الجنة، فكان وعدا مصدرا مؤكدا. واختلفوا في أن هذا الذي حصل في الكتب ماهو؟