قدم المدينة اعتذر المنافقون فعذرهم وأتيته و قلت: إن كراعي و زادي كان حاضرا واحتبست بذنبي فاستغفر لي فأبي الرسول ذلك،ثم إنه عليه الصلاة و السلام نهى عن مجالسةهؤلاء الثلاثة، و أمر بمباينتهم حتى أمربذلك نساءهم، فضاقت عليهم الأرض بما رحبت،و جاءت امرأة هلال بن أمية و قالت: يا رسولاللّه لقد بكى هلال حتى خفت على بصره حتىإذا مضى خمسون يوما أنزل اللّه تعالى:لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ و أنزل قوله: وَ عَلَىالثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا فعندذلك خرج رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّمإلى حجرته و هو عند أم سلمة فقال: «اللّهأكبر قد أنزل اللّه عذر أصحابنا» فلما صلىالفجر ذكر ذلك لأصحابه و بشرهم بأن اللّهتاب عليهم، فانطلقوا إلى رسول اللّه صلّىالله عليه وسلّم و تلا عليهم ما نزل فيهم.فقال كعب: توبني إلى اللّه تعالى أن أخرجمالي صدقة فقال: «لا» قلت: فنصفه قال: «لا»قلت: فثلثه قال: «نعم» و اعلم أنه تعالى وصفهؤلاء الثلاثة بصفات ثلاثة.
قوله: حَتَّى إِذا ضاقَتْعَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ قالالمفسرون: معناه: أن النبي عليه الصلاة والسلام صار معرضا عنهم و منع المؤمنين منمكالمتهم و أمر أزواجهم باعتزالهم و بقواعلى هذه الحالة خمسين يوما، و قيل: أكثر، ومعنى ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمارَحُبَتْ تقدم تفسيره في هذه السورة.
قوله: وَ ضاقَتْعَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ و المراد ضيقصدورهم بسبب الهم و الغم و مجانبةالأولياء و الأحباء، و نظر الناس لهم بعينالإهانة.
قوله: وَ ظَنُّوا أَنْ لامَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ويقرب معناه من قوله عليه الصلاة و السلامفي دعائه: «أعوذ برضاك من سخطك و أعوذبعفوك من غضبك و أعوذ بك منك» و من الناس منقال معنى قوله:
وَ ظَنُّوا أي علموا كما في قوله:الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْمُلاقُوا رَبِّهِمْ [البقرة: 46] و الدليلعليه أنه تعالى ذكر هذا الوصف في حقهم فيمعرض المدح و الثناء، و لا يكون كذلك إلا وكانوا عالمين بأنه لا ملجأ من اللّه إلاإليه. و قال آخرون: وقف أمرهم على الوحي وهم ما كانوا قاطعين أن اللّه ينزل الوحيببراءتهم عن النفاق و لكنهم كانوا يجوزونأن تطول المدة في بقائهم في الشدة فالطعنعاد إلى تجويز كون تلك المدة قصيرة، و لماوصفهم اللّه بهذه الصفات الثلاث،
قال: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ [إلى آخرالآية]
و فيه مسائل:
و التقدير: حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بمارحبت و ضاقت عليهم أنفسهم و ظنوا أن لاملجأ من اللّه إلا إليه. تاب عليهم ثم تابعليهم، فما الفائدة في هذا التكرير؟
قلنا: هذا التكرير حسن للتأكيد كما أنالسلطان إذا أراد أن يبالغ في تقرير العفولبعض عبيده يقول عفوت عنك ثم عفوت عنك.
فإن قيل: فما معنى قوله: ثُمَّ تابَعَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا.
قلنا فيه وجوه: الأول: قال أصحابناالمقصود منه بيان أن فعل العبد مخلوق للّهتعالى فقوله: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ يدلعلى أن التوبة فعل اللّه و قوله:لِيَتُوبُوا يدل على أنها فعل العبد، فهذاصريح قولنا، و نظيره