و هي السنة التاسعة من الهجرة.
ثم قال تعالى: وَ إِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً
و العيلة الفقر يقال: عال الرجل يعيل عيلةإذا افتقر، و المعنى: إن خفتم فقرا بسببمنع الكفار فسوف يغنيكم اللّه من فضله
و فيه مسألتان:
الأول: قال مقاتل: أسلم أهل جدة و صنعاء وحنين، و حملوا الطعام إلى مكة و كفاهماللّه الحاجة إلى مبايعة الكفار. و الثاني:قال الحسن: جعل اللّه ما يوجد من الجريةبدلا من ذلك. و قيل: أغناهم بالفيء.الثالث: قال عكرمة: أنزل اللّه عليهمالمطر، و كثر خيرهم.
و قد وقع الأمر مطابقا لذلك الخبر فكانمعجزة.
ثم قال تعالى: إِنْ شاءَ
و لسائل أن يسأل فيقول: الغرض بهذا الخبرإزالة الخوف بالعيلة، و هذا الشرط يمنع منإفادة هذا المقصود، و جوابه من وجوه الأول:أن لا يحصل الاعتماد على حصول هذاالمطلوب، فيكون الإنسان أبدا متضرعا إلىاللّه تعالى في طلب الخيرات و دفع الآفات.الثاني: أن المقصود من ذكر هذا الشرط تعليمرعاية الأدب، كما في قوله: لَتَدْخُلُنَّالْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُآمِنِينَ [الفتح: 27] الثالث: أن المقصودالتنبيه على أن حصول هذا المعنى لا يكون فيكل الأوقات و في جميع الأمور، لأن إبراهيمعليه السلام قال في دعائه: وَ ارْزُقْأَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ [البقرة: 126] وكلمة «من» تفيد التبعيض فقوله تعالى فيهذه الآية: إِنْ شاءَ المراء منه ذلكالتبعيض.
ثم قال: إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
أي عليم بأحوالكم، و حكيم لا يعطي و لايمنع إلا عن حكمة و صواب، و اللّه أعلم.
قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَبِاللَّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَ لا يَدِينُونَ دِينَالْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواالْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَعَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ (29)
[في قوله تعالى قاتِلُوا الَّذِينَ لايُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْيَوْمِالْآخِرِ إلى قوله أُوتُوا الْكِتابَ]
اعلم أنه تعالى لما ذكر حكم المشركين فيإظهار البراءة عن عهدهم، و في إظهارالبراءة عنهم في أنفسهم، و في وجوبمقاتلتهم، و في تبعيدهم عن المسجد الحرام،و أورد الإشكالات التي ذكروها، و أجابعنها بالجوابات الصحيحة ذكر بعده حكم أهلالكتاب، و هو أن يقاتلوا إلى أن يعطواالجزية، فحينئذ يقرون على ما هم عليهبشرائط، و يكونون عند ذلك من أهل الذمة والعهد، و في الآية مسائل: المسألة الأولى:
اعلم أنه تعالى ذكر أن أهل الكتاب إذاكانوا موصوفين بصفات أربعة، وجبتمقاتلتهم إلى أن يسلموا، أو إلى أن يعطواالجزية.
أنهم لا يؤمنون بالله.
و اعلم أن القوم يقولون: نحن نؤمن باللهإلا أن التحقيق أن أكثر اليهود مشبهة، والمشبه يزعم أن لا موجود إلا الجسم و مايحل فيه فأما الموجود الذي لا يكون جسما ولا