فإنه تعالى كفر النصارى بسبب أنهماعتقدوا حلول كلمة اللّه في عيسى و هؤلاءاعتقدوا حلول كلمة اللّه في ألسنة جميع منقرأ القرآن، و في جميع الأجسام التي كتبفيها القرآن، فإذا كان القول بالحلول فيحق الذات الواحدة يوجب التكفير، فلأن يكونالقول بالحلول في حق جميع الأشخاصوالأجسام موجبا للقول بالتكفير كان أولى.
من صفاتهم أنهم لايؤمنون باليوم الآخر.
و اعلم أن المنقول عن اليهود و النصارى:إنكار البعث الجسماني، فكأنهم يميلون إلىالبعث الروحاني.
و اعلم أنا بينا في هذا الكتاب أنواعالسعادات و الشقاوات الروحانية، و دللناعلى صحة القول بها و بينا دلالة الآياتالكثيرة عليها، إلا أنا مع ذلك نثبتالسعادات و الشقاوات الجسمانية، و نعترفبأن اللّه يجعل أهل الجنة، بحيث يأكلون ويشربون، و بالجواري يتمتعون، و لا شك أن منأنكر الحشر و البعث الجسماني، فقد أنكرصريح القرآن، و لما كان اليهود و النصارىمنكرين لهذا المعنى، ثبت كونهم منكرينلليوم الآخر.
من صفاتهم قوله تعالى: وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
و فيه وجهان: الأول: أنهم لا يحرمون ما حرمفي القرآن و سنة الرسول. و الثاني: قال أبوروق: لا يعملون بما في التوراة و الإنجيل،بل حرفوهما و أتوا بأحكام كثيرة من قبلأنفسهم.
قوله: وَ لا يَدِينُونَدِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواالْكِتابَ
يقال: فلان يدين بكذا، إذا اتخذه دينا فهومعتقده، فقوله: وَ لا يَدِينُونَ دِينَالْحَقِّ أي لا يعتقدون في صحة دينالإسلام الذي هو الدين الحق، و لما ذكرتعالى هذه الصفات الأربعة قال: مِنَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ فبين بهذاأن المراد من الموصوفين بهذه الصفاتالأربعة من كان من أهل الكتاب، و المقصودتمييزهم من المشركين في الحكم، لأن الواجبفي المشركين القتال أو الإسلام، و الواجبفي أهل الكتاب القتال أو الإسلام أوالجزية.
ثم قال تعالى: حَتَّى يُعْطُواالْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَو فيه مسائل:
و هي فعلة من جزى يجزى إذا قضى ما عليه، واختلفوا في قوله: عَنْ يَدٍ قال صاحب«الكشاف» قوله: عَنْ يَدٍ إما أن يراد بهيد المعطي أو يد الآخذ، فإن كان المراد بهالمعطي، ففيه وجهان: أحدهما: أن يكونالمراد عَنْ يَدٍ مؤاتية غير ممتنعة، لأنمن أبى و امتنع لم يعط يده بخلاف المطيعالمنقاد، و لذلك يقال: أعطى يده إذا انقادو أطاع، ألا ترى إلى قولهم نزع يده عنالطاعة، كما يقال: خلع ربقة الطاعة منعنقه. و ثانيهما: أن يكون المراد حتىيعطوها عن يد إلى يد نقدا غير نسيئة و لامبعوثا على يد أحد، بل على يد المعطي إلىيد الآخذ. و أما إذا كان المراد يد الآخذففيه أيضا وجهان: الأول: أن يكون المرادحتى يعطوا الجزية عن يد قاهرة مستوليةللمسلمين عليهم كما تقول:
اليد في هذا لفلان. و ثانيهما: أن يكونالمراد عن إنعام عليهم، لأن قبول الجزيةمنهم وترك أرواحهم عليهم نعمة عظيمة.
و أما قوله: وَ هُمْ صاغِرُونَ فالمعنى أنالجزية تؤخذ منهم على الصغار و الذل والهوان بأن يأتي بها بنفسه ماشيا غيرراكب، و يسلمها وهو قائم و المتسلم جالس ويؤخذ بلحيته، فيقال له: أد الجزية و إنكان