الذي يكون في القوم و ليس منهم وليجة،فالوليجة فعيلة من ولج كالدخيلة من دخلقال الواحدي: يقال هو وليجتي و هم وليجتيللواحد و الجمع.
الأول: أن يعلم اللَّه الذين جاهدوا منكم،و ذكر العلم و المراد منه المعلوم، والمراد أن يصدر الجهاد عنهم إلا أنه إنماكان وجود الشيء يلزمه معلوم الوجود عنداللَّه، لا جرم جعل علم اللَّه بوجودهكناية عن وجوده، و احتج هشام بن الحكم بهذهالآية على أنه تعالى لا يعلم الشيء إلاحال وجوده.
و اعلم أن ظاهر الآية و إن كان يوهم ماذكره إلا أن المقصود ما بيناه. و الثاني:قوله: وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِاللَّهِ وَ لا رَسُولِهِ وَ لَاالْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً و المقصود منذكر هذا الشرط أن المجاهد قد يجاهد و لايكون مخلصا بل يكون منافقا، باطنه خلافظاهره، و هو الذي يتخذ الوليجة من دوناللَّه و رسوله و المؤمنين، فبين تعالىأنه لا يتركهم إلا إذا أتوا بالجهاد معالإخلاص خاليا عن النفاق و الرياء والتودد إلى الكفار و إبطال ما يخالف طريقةالدين و المقصود بيان أنه ليس الغرض منإيجاب القتال نفس القتال فقط، بل الغرض أنيؤتى به انقيادا لأمر اللَّه عزوجل ولحكمه و تكليفه، ليظهر به بذل النفس والمال في طلب رضوان اللَّه تعالى فحينئذيحصل به الانتفاع، و أما الإقدام علىالقتال لسائر الأغراض فذاك مما لا يفيدأصلا.
ثم قال: وَ اللَّهُ خَبِيرٌ بِماتَعْمَلُونَ أي عالم بنياتهم و أغراضهممطلع عليها لا يخفى عليه منها شيء، فيجبعلى الإنسان أن يبالغ في أمر النية و رعايةالقلب. قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: إناللَّه لا يرضى أن يكون الباطن خلافالظاهر، و إنما يريد اللَّه من خلقهالاستقامة كما قال: إِنَّ الَّذِينَقالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّاسْتَقامُوا [فصلت: 30 الأحقاف: 13] قال: و لمافرض القتال تبين المنافق من غيره و تميز منيوالي المؤمنين ممن يعاديهم.
ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْيَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ شاهِدِينَعَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَ فِيالنَّارِ هُمْ خالِدُونَ (17) إِنَّمايَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَبِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَ آتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسىأُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَالْمُهْتَدِينَ (18)
[في قوله تعالى ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَأَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ]
في الآية مسائل:
و بالغ في إيجاب ذلك و ذكر من أنواعفضائحهم و قبائحهم ما يوجب تلك البراءة،ثم إنه تعالى حكى عنهم شبها احتجوا بها فيأن هذه البراءة غير جائزة و أنه يجب أنتكون المخالطة و المناصرة حاصلة، فأولهاما ذكره في هذه الآية، و ذلك أنهم موصوفونبصفات حميدة و خصال مرضية و هي توجبمخالطتهم و معاونتهم و مناصرتهم، و منجملة تلك الصفات كونهم عامرين للمسجدالحرام قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: لماأسر العباس يوم بدر، أقبل عليه المسلمونفعيروه بكفره باللَّه و قطعية الرحم، وأغلظ له علي و قال: ألكم محاسن فقال: نعمرالمسجد الحرام و نحجب الكعبة و نسقي الحاجو نفك العاني، فأنزل اللَّه تعالى ردا علىالعباس ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْيَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ.